يمثل أمبرتو إيكو ظاهرة متميزة في الثقافة العالمية فهو مثقف موسوعي ومتعدد، فهو فيلسوف وناقد ومفكر اجتماعي وعالم لغويات ومنظر في الاتصال والتواصل وباحث تاريخي وروائي فذ وصلت رواياته إلى جهات العالم الأربعة وخاصة رائعته ''اسم الوردة'' التي مثلت انقلابا في السرد الروائي بمجازاتها الفلسفية وتعدد مستويات القراءة التي قدمتها، ولعل العديد من الروايات التي اشتهرت مؤخرا مثل رواية دان براون ''شيفرة دافنشي'' والرواية العربية ''عزازيل'' ليوسف زيدان تأثرت بشكل كبير برواية إيكو ومجمل أعماله التي نظرت للتاريخ والعقائد السرية بشكل جديد يقدم تحليلا جديدا وصادما للمسلمات القديمة. إيكو الذي عمل طويلا في السلك الأكاديمي في الجامعات الإيطالية وخاصة جامعة تورينو التي درس بها وجامعة بولونيا التي عمل بها أستاذا للسميائيات حاضر في العديد من الجامعات الشهيرة حول العالم مثل كولومبيا وييل ونيويورك في مختلف الموضوعات وذلك بأسلوبه المتوازن بين المتطلبات الأكاديمية ونمطيتها واللغة الصحفية اللماحة القادرة على تطويع المفارقة وتقديمها من جديد في صيغة تقترب من السهولة، ولا يخلو أسلوبه أيضا من السخرية اللاذعة خاصة وهو يفكك الأفكار السائدة والشائعة ويحاول أن يستكهن أبعادها والدوافع الحقيقة وراءها. ولد إيكو في مدينة أليساندريا الإيطالية في إقليم بييمونتي سنة 1932 والتحق بدراسة الفلسفة في جامعة تورينو وحصل على شهادة الدكتوراه في فلسفة توما الإكويني، واصطدم ايكو مع الكنيسة الكاثوليكية بعد نقده لنظام الإيمان المتبع فيها، وكذلك عمل إيكو محررا ثقافيا في التلفزيون الإيطالي وبقي مهتما بالكتابة الصحفية ومواضبا عليها، وكذلك اهتم بالفنون المختلفة وقدمها في أعماله وخاصة الفنون البصرية والسمعية متتبعا جذورها في العصور الوسطى، ويعد ايكو من أكثر المثقفين العالميين إطلاعا على التراث العربي والفلسفة الإسلامية وتفهما لدورها التاريخي وأثرها الإيجابي والمهم على النهضة الأوروبية. من أهم أعماله الفكرية ''التأويل والتأويل المفرط'' و ''القارئ في الحكاية'' و''الفن والجمال في علم الجمال القروسطي'' أما رواياته الأربعة فتعد كل منها عملا رائعا وتجربة فريدة في ذاتها وهي ''اسم الوردة'' و''جزيرة اليوم السابق'' و''بندول فوكو'' و''باودولينينو'' وترجمت جميع أعماله الروائية إلى العربية وهي روايات كبيرة ومع ذلك في سهلة القراءة لأسلوبها المشوق والجانب المعرفي الذي تقدمه وما تفتحه من آفاق للإطلاع على عوالم مختلفة ومتعددة. نختار أحد المقالات التي نشرها في الثمانينيات وصنفها ضمن المعارضات والمستعارات الجديدة وفيها يوجه نقده لوسائل الاتصال والتواصل الحديثة وأثرها على جعل الحياة الإنسانية سهلة وصعبة في نفس الوقت.
السبت يناير 17, 2009 10:20 am