البلد : نقاط : 200510 تاريخ التسجيل : 01/01/1970
| موضوع: علاقة العنف بوزن الجسم الثلاثاء يناير 06, 2009 9:18 am | |
|
علاقة العنف بوزن الجسم
تتيانا الكور - يتهافت العديد منا بالتعليق على أجسام أطفالنا، وفتياتنا وشبابنا، ونسائنا ورجالنا سواء بسبب نحولها أو بسبب نصاحتها، ففي عدة مناسبات، سمعت تعليقات كثيرة مثل: ''إنت ناصحة كتير،'' ''بنتي ما عم تعمل شي لتنحف،'' ''بس لو تنصحي بتسيري أحلى،'' أو ''يا ماما شوفو شو ناصح!'' ولعل العديد من الأمهات والآباء يعتقدون بأنهم يمتلكون الحق في التحكم بسلوك أطفالهم وتأديبهم نظير سلوكهم الغذائي. ومرارة الأمر بأننا لا ندرك مدى تأثير تعليقاتنا، ومعتقداتنا، أو حتى سلوكنا نحو من نجده شديد النحول، أو من نجدها كثيرة الوزن. فلماذا لا نتمتع بنظرة واقعية وإيجابية للأمور، أو حتى نتحلى بنظرة تحليلية عن ماهية الأسباب لهذه النصاحة أو النحافة؟ لقد التمست مواقف عدة، سواء من الأفراد أنفسهم أو من الأهل أو من الأصحاب، حين أثارت الدهشة العارمة وجوههم عندما أقول: لا بد من وجود شكل من أشكال العنف كمسبب وراء النصاحة المنشودة أو النحافة المقززة! ففي إحدى الحالات التي أتابعها كانت فتاة في عمر المراهقة والتي تمتعت بوزن زائد وأرادت التخلص منه، فبعد التقييم السريري، ثبت أنه كان لديها قصور في الغدة الدرقية مع نقص في بعض الفيتامينات والمعادن. فبعد أن تمت معالجتها طبيا وغذائيا، لقد إستطاعت الفتاة بأن تحرز تقدما في خفض الوزن، بالرغم من أنني كنت أعاني من إستمرار ضغط الأهل السلبي لها وبأنها لا تعمل شيئا في نظرهم! وقد كنت شديدة الثقة بإلتزامها في الوصفة الطبية والغذائية. ولكن سرعان ما كانت تزيد الكيلو تلو الآخر حتى تتطلب مني مجهودا لحثها بالتفكير بأسباب نفسية، أو حتى بمشاركتها لي عن إحتمالية تعرضها لشكل من أشكال العنف، وما رأيت إلا تلك الفتاة تنهمك بكاء لتعترف بأنها تعرضت للإغتصاب و التحرش الجنسي من قبل أحد الأقارب في صغرها، والذي ما يزال يعيش في نفس محيطها. وقد كان لهذه التجربة المريرة الوقع العميق عليها من الناحية الجسمية والنفسية والغذائية إذ حرصت الفتاة إلى اللجوء إلى شتى الوسائل من أجل تقبيح ذاتها فأخذت في إلتهام الأطعمة الغنية بالسعرات الحرارية والدهون بشكل غير إعتيادي لتضاعف من وزنها بالعمد وتجعل من نفسها قبيحة وغير جذابة للجنس الآخر. وفي حالة أخرى، فقد أحرزت فتاة في العشرين من عمرها نجاحا باهرا من خلال إتباعها نظاما غذائيا صحيا خلال دراستها في الكلية، وقد تمثل هذا النجاح بخسارة أكثر من أربعين كيلوغراما في الوزن خلال عامين من ذهابها إلى الكلية، ولكنها سرعان ما أدركت بأنها فقدت السيطرة على إستمرارية النمط الحياتي الصحي، وقامت بالشروع المتعمد في نهم الطعام ثانية والزيادة من وزنها كردة فعل عكسية نظير منعها من العمل وتقييد حريتها من قبل والدها، فبدلا من أن تحتفل بنجاحاتها، فقد كان لتقييد حرياتها العمق الكبير في تدمير نفسيتها وتدمير كل ما حققته من نجاحات، وكان لها الفرصة فقط بالتمتع بسماع من حولها يقولون: ''إنتي مش نافعة.... إنت نصحانة.... ليش هيك سويتي بحالك.........!'' أما حرمان الأطفال من الأكل وتمييزهم عن إخوانهم أو أقاربهم فشيء آخر إذ جاءتني طفلة وهي في الحادية عشرة من العمر مع والدتها بهدف تنزيل الوزن، فقد كشف التقييم السريري لها بأنها تقع ضمن الوزن الصحي، ولا تحتاج إلى المزيد من خفض الوزن، ألا أن والدتها تعتقد بأنها مليئة ويجب أن تخفض من وزنها، وتعتقد بأن الطريقة الوحيدة لتحقيق ذلك هو حرمانها من الأكل، وسرعان ما كشفت لي جلستي الفردية مع الطفلة بأنها تعاني من النهم إذ تقوم بإلتهام الطعام خارج المنزل أو عند غياب والدتها، ثم تبادر في التقيؤ المتعمد لإستفراغ ما تم إلتهامه. فلماذا نحرم أولادنا فرصة اتباع نظام غذائي صحي وإستقرار نفسي بدلا من ممارسة العنف عليهم، فحرمان الطفلة وتمييزها عن أخوانها هو حتما شكل من أشكال العنف. وما أثبتته لنا الأبحاث والخبرات والتجارب في الآونة الأخيرة هو إظهار العلاقة الوطيدة بين العنف (بجميع أشكاله) والحالة الصحية التغذوية والسلوك الغذائي لدى الأفراد، فيشكل العنف إحدى محددات الصحة الغذائية، بينما تساهم بعض الأطعمة في التأثير على سلوك الأفراد وإندفاعهم لممارسة بعض أشكال العنف. ولقد أشارت تقارير منظمة الصحة العالمية إلى دلائل وثيقة بأن ضحايا العنف المنزلي والجنسي لديهم مشاكل صحية أكبر، ويتطلبون رعاية صحية أكبر، ويكون زياراتهم لأقسام الإسعاف في المستشفيات خلال حياتهم أكثر تكرارا من غيرهم،كما وأشارت دراسات أخرى عن زيادة نسبة سوء التغذية، و الإضطرابات الغذائية، والسلوكيات الغذائية لدى ضحايا العنف، بينما ساهم تناول الأغذية عالية الدهون والسعرات الحرارية في زيادة فرصة العنف عند الأطفال.
منقول
| |
|