موضوع: الوقت من ذهب السبت ديسمبر 27, 2008 10:52 am
الوقت من ذهب
اقتربت سفينة من جزيرة جميلة فقال قائد السفينة الربان- من اراد النزول من الركاب فلينزل.. ولكن عليكم ان ترجعوا عندما يدق الجرس وقت الغروب. لانه سترفع المرساة ونستمر في الابحار.. فانقسم الركاب الى خمس جماعات: 1 - فمكثت الاولى على ظهر السفينة لانهم كانوا يخشون ان يضلوا في الجزيرة. 2 - وتجولت الجماعة الثانية في الغابات وتمتعوا بروائح الزهور واكلوا من الفاكهة اللذيذة ورجعوا الى السفينة فرحين منتعشين. 3 - وتجولت الثالثة بعيدا ورجعوا الى الشاطئ في عين الوقت الذي كان فيه الملاحون يرفعون المرساة، وكانوا يخشون ان يكونوا قد تأخروا عن الميعاد المعين. 4 - وأبطأت الجماعة الرابعة، وتوانت حتى سمعوا الجرس يدق فلم يهمهم ذلك، بل قالوا: لا حاجة الى السرعة، فالربان لا يذهب بدوننا.. غير ان السفينة اخذت تتحرك، فخاض القوم الحمقى في الماء، وتشاجر بعضهم مع البعض عندما كانوا يتسلقون بجهل على جانب السفينة. 5 - واما الجماعة الخامسة فأكلوا وشربوا واكثروا من الاكل والشرب، ولم يعرفوا اين يقفون، فغلبهم النوم، فلم يسمعوا صوت الجرس، ولم يعرفوا ان السفينة اقلعت.. ثم استيقظوا في ظملة الليل، فارتبكوا وهلكوا، وذهبوا ضحية عدم محافظتهم على الوقت المحدد لقيام السفينة، ولسان حالهم يقول: ''نلهو وأيامنا تذهب ونلعب والدهر لا يلعب'' وفي قديم الزمان رُوي ان ملكا ركب في موكب عظيم فهرع الناس افواجا لينظروه، فمر بصانع فرآه مكبا على شغله ولم يلتفت اليه، ولم يرفع رأسه للسلام عليه، فوقف الملك عنده وقال: كل الناس ينظرون اليّ الا انت فما السبب؟! فقال الرجل: ايها الملك العظيم ادام الله ملكك، اني رأيت الايام تمر مر السحاب وتسير سير الشهاب وما رأيت انفع ولا ابقى للمرء من عمل ينتفع به في حياته، وينتفع به الناس.. فها انا ابذل غاية جهدي في اتقان عملي والمحافظة على وقتي.. فسُرّ الملك من جوابه وامر له بجائزة. ومن امثلة المحافظة على الوقت والاستفادة منه ما يلي: كان احد رؤساء الولايات المتحدة الاميركية وهو صغير السن يغتنم العطلة الدراسية فيقضيها في العمل فيربح من المال ما يساعده على شراء الكتب وتعلم العلوم. وكان المستر (اسمث) المخترع العظيم، يعمل كل يوم بعد الظهر وبعد الفراغ من دروسه في معمل ابيه. ويحكى ان كسرى انو شروان ملك الفرس مرّ على شيخ كبير في السن، يغرس النخل، والمعروف ان النخل لا يطرح ثمرا الا بعد زمن طويل، فدهش الملك من تقدير هذا الشيخ الفاني، لقيمة الوقت وعدم اضاعته سدى. وكان (غلادستون ( السياسي المشهور والخطيب الانجليزي على سعة علمه وشدة ذكائه وفصاحة قلمه ولسانه لا تخلو يده في أي وقت من الاوقات من كتاب يقتل به الوقت اذا ركب قطارا او مركبة. وكان (اسحاق نيوتن) المستنبط العظيم يشغل وقت فراغه وهو تلميذ بصنع الالات الصغيرة فكان التلاميذ يسمعون صوت المنشار وطرق الشاكوش من غرفته وكان (ابن رشد) الفيلسوف الشهير يقضي ليله في التأليف والتحرير ولم ينقطع عن ذلك الا في ليلتين : ليلة عرسه وليلة وفاة ابيه. وكان (ياقوت الحموي) تاجرا يشتغل في البلاد ويطوف بالمدن والامصار غير انه لم يرض لنفسه ان يضيع الفرص التي اتيحت له فأخذ يدون كل ما شاهده من الاماكن ويصف اخلاق ساكنيها حتى جمع كتابه المشهور (معجم البلدان) فكان اعظم كتاب في علم تخطيط البلدان واخلاق الشعوب وهكذا يستمر مؤلف هذا الكتاب (السمير المهذب) والصادر في الخمسينيات (علي فكري) في طرح ارائه في اهمية الزمن والوقت بالنسبة للانسان موضحا ما يلي : ان قيمة الوقت في حسن استعماله فالبخيل الذي لا ينفق من ماله الا ما يسد رمقه هو انسان فقير كما اذا كانت امواله مزيفه كذلك من لم ينفق وقته فيما يزيد في سعادته وسعادة الناس فعمره مزيف. اننا نعيش في زمن محدود، ليل ونهار يتعاقبان بانتظام وليس يطغى احدهما على الاخر وحياة مقسمة تقسيما محدودا : صبا فشباب فكهولة فشيخوخة ولكل قسم عمل خاص لا يليق ان يعمل في غيره كالزرع اذا فات اوانه لا يصح ان يزرع في غيره . وحياة محدودة فاذا جاء الاجل فلا مفر من الموت. وضياع الزمن يكون لسببين : الاول هو الا يكون للانسان غرض يسعى اليه فقد قال عمر بن الخطاب ذات مرة اني لاكره ان ارى احدكم (سبهللا) لا في عمل دنيا ولا في عمل اخرة وما اتعب من يمشي في الطريق لا لغرض ولا هدف له يسير من شارع لشارع وينتقل من حانوت لاخر لا لغرض معين . وتحديد الغرض يوفر من الزمن الشيء الكثير يسير الانسان في الحياة على هدى كلما صادمته امور عرف كيف ينتخب منها ما يغذي غرضه ويتجنب ما لا يتفق معه ان الذين لا يجدون اغراضهم ويتركون الزمن يمر عليهم كما يمر على الجماد قلما يصدر عنهم خير كبير او يأتون بعمل عظيم. والانسان بلا غرض كالسفينة في البحر بلا مقصد متروكة في يد الامواج تلعب بها ويلاحظ ان اكثر الناس عملا اوسعهم زمنا ذلك لانهم محدودو الغرض فهم يوجهون اعمالهم قبله ولا يصرفون زمنهم في التردد والاختبار ولا يكونون كرة في يد الظروف تلعب بهم كما تشاء بل هم يخلقون الظروف ويتصرفون فيها حسب اغراضهم في الحياة . والثاني : مما يضيع الوقت والزمن ان يكون للانسان غرض محدود ولكنه لا يخلص لغرضه فلا يجد الوصول اليه ولا يعمل ما يتفق معه. هذا وان ضياع الوقت لا يوازيه شيء اخر سواه مهما كان نفيسا فاذا فرطت في متاع عزيز او تحفة ثمينة امكنك استردادها بضرب من ضروب الحيل اما اذا فرطت في ساعة من عمرك واضعتها بدون ان تكسب بها خيرا او محمدة لا يمكنك استرداد تلك الساعة ولو بذلت في سبيلها ملء الارض ذهبا فالوقت اذن اثمن من الذهب واعز منه. نعم فالوقت ثمين جدا واذا مضى لا يعود وجاء في الامثال : الوقت من ذهب فاذا اضعت منه شيئا فكأنك اضعت جزءا من مالك فاذا كنت تكسب ريالا مثلا في اليوم وتركت الشغل يوما واحدا فكأنك خسرت هذا الريال. وجاء في الحكم ( لا تؤخر عمل اليوم الى الغد) لانك اذا اخرت عمل يوم الى يوم اخر اجتمع عندك عمل يومين فيصعب عليك القيام بهما اما اذا قضيت في كل يوم عمله ارحت نفسك واكتسبت قيمة وقتك.
السبت ديسمبر 27, 2008 10:52 am