موضوع: باد هواك صبرتَ أم لم تصبرا السبت ديسمبر 27, 2008 9:54 am
بادٍ هواك صبرتَ ام لم تصبرا
د. كامل جميل ولويل - هذا البيت للمتنبي، ولم نجد شاعراً شاع ذكره قديماً وحديثاً مثل هذا الشاعر، ولكن المقالة ليست بوارد الحديث عن المتنبي، ولكنها تهدف الى نقاط لغوية محببة يعرف بها ما في لغتنا من قوة وجمال، وكان للمتنبي تلك الأشعار الذوقية الرائعة التي اشتملت في ثناياها على نقاط لغوية جميلة جداً. بدأ المتنبي البيت باسم نكرة، لماذا فعل ذلك وهو اللغوي المجيد، فالجمل الأسمية تبدأ باسم معرفة واضح المعالم مثل: الجريدة المشهورة، العلم نور، ونظام هذه الجمل واضح وهو: الاسم الاول (المبتدأ) معرفة، وخبرها نكرة، فالجريدة مبتداً وهي معرفة، ومشهورة خبرها وهو معرفة، هذا هو نظام الجملة الاسمية في لغتنا العربية وهو جاء على هذا النهج منذ اكثر من الف سنة قاعدة وتمثيلاً، والمتنبي يدرك ذلك، ولكنك اذا غيرت شيئاً في نظام لغتنا فانك تقصد الى معنى مثير ومهم بهذا التغيير. ولو رجعنا لقصة ابراهيم ووالده في القرآن الكريم لوجدنا جملاً خرجت عن النظام المألوف، قال سبحانه ''أراغب أنت عن آلهتي يا ابراهيم'' لقد بدأت الآية باسم نكرة وهو راغب وليس هذا جارياً على القاعدة، الاصل أنت راغبٌ عن الهتنا، ولكن والد سيدنا ابراهيم يعجب كل العجب من ابنه ويستنكر على ابنه الانصراف عن آلهة قومه، ويريد ان يعنفه على ذلك، لانه فيما يرى جاء بعمل غريب عجيب، اما لو كانت الآية الكريمة : أأنت راغب عن آلهتي يا ابراهيم، لكان الاستنكار منصباً على ولده ابراهيم دون ان يهتم بغيره من الناس الذين ينصرفون او ربما ينصرفون عن تلك الآلهة، ان نوع الاسم الذي تبدأ به يؤثر في معنى الجملة تأثيراً كبيراً. والمتنبي يدرك هذه المعاني، فقدم كلمة وأخّر كلمة، اراد المتنبي ان يؤكد ظهور الهوى، لأن الهوى لا يظهر على الوجه بملامحه المتعددة الا اذا امتلأ الوعاء بالهوى ولو قال الهوى بادٍ لكان قوله عادياً سهلاً بسيطاً، لأنه جملة تدل على شيء عادي واكمل في الشطر الثاني: وبادٍ بكاك ان لم يجر دمعك او جرى، كيف يبدو الدمع وهو لم يجرِ، ان ملامح الوجه من الأعين والخدين والفم، وغير هذه الأشياء تكشف عن البكاء الدفين، وتجزئ عن الدمع الجاري، ان هذا ليس مختصاً بالشاعر والأديب، فنحن عامة الناس نغيّر في تركيب الجملة لاعطاء معنى جديد، رائعة هذه الشجرة، هذه الشجرة رائعة!!..