البلد : نقاط : 200490 تاريخ التسجيل : 01/01/1970
| موضوع: كن بسيط - نضج في التفكير والسلوك السبت ديسمبر 20, 2008 10:58 am | |
| كن بسيط 00 نُضجٌ في التّفكير والسّلوك
إبراهيم كشت - البسيط هو ما ليس له أجزاء ، أو هو الذي يتكون من أجزاء قليلة متجانسة ، بحيث لا تكون هناك عناصر (لا داعي لها) مضافة إليه ، أما ضد البسيط فهو غالباً (المعقّد) 0 وكثيراً ما ترتبط كلمة البساطة في الأذهان بالجمال ، أو بالنَّمط المرغوب ، فمن باب المدح والثناء ، أنّ يقال عن كاتبٍ أن أسلوبه بسيط ، أو أنْ توصف مؤسسة ببساطة إجراءاتها ، أو أن يُنعتَ سلوك رجل بالبساطـة ، أو يذكر أن لباس إمرأة أو أثاث منزلها بسيط 000 لكن رغم هذا الارتباط الإيجابي لكلمة البساطة بالأذهان ، إلا أن كثيراً 000 وكثيراً جداً من أحاديثنا وسلوكاتنا وعلاقاتنا بالآخر وعاداتنا ومظاهرنا وأنماط استهلاكنا ، أبعد ما تكون عن البساطة ، وأقرب ما تكون إلى التعقيد والتركيب والتداخل والتشابك. على مستوى اللغة ، وقياساً على مدلول كلمة (البسيط) الذي يشير إلى ما يتألف من أجزاء قليلة متوافقة تستبعد العناصر غير الضرورية ، أعتقد أنه لا ينبغي أن نفهم البساطة على أنها تعني استخدام اللغة العامية ، ولا أنها تعني تجنب الألفاظ الجزلـة التي تمنح النَّصَ عمقاً وجمالاً 00 كما إنها لا تعني النزول إلى لغة الشارع وسَطحيّة الخطاب ، ولكنها تعني الإيجاز ، بأن تكون الكلمات على قدر المعاني ما أمكن ، أو كما يقال عند أهل البيان : (أن تكون دون إطناب مُملٍ أو إيجاز مُخِلٍّ) ، وهذا ما يحقق فعلاً معنى قلة الأجزاء وتجانسها ، وعدم قبولها عناصر أخرى خارجية مضافة إليها ، أي أن هذا هو ما يحقق معنى البساطة في اللغة والكتابة والحديث 0 أمـا على المستوى النفسي ، فإن تعبيرات العُقدة والتّعقيد والمعقّد ـ وهي نقيض البساطة ـ مصطلحاتٌ لها مدلولاتها العلمية ، حيث تشير (كما يقال في علم النفس) إلى أفكار وانفعالات مترابطة مَكبوتَةٍ كُلياً أو جزئياً ، تصبِغُها شحنات عاطفيّة شديدة ، وتكون تلك الأفكار في صراع مع الأفكار المقبولة لدى الفرد ، وتؤثر لا شعورياً في تفكيره وسلوكه. والواضح أنه كلما كان مَبعثُ سلوك الفرد وتفكيره ناجماً عن العُقَد ، كلما كان سلوكه أبعد عن البساطة ، ويلاحظ أن الأسوياء والأكثر نُضجاً ، هـم الأقرب عادةً إلى البساطة في تفكيرهم ، وردود أفعالهم ، وعلاقاتهم ، وتقبلهم للأمور ، وسلوكهم بوجه عام. وعلى المستوى الاجتماعي ، يبدو أنه كلما كان المجتمع أقربَ إلى التّخلف ، وكلما كان أكثر انغماساً في النّمط الاستهلاكي من الحياة ، كان أكثر تعقيداً في عاداته وتقاليده ومتطلباته ، فإذا تَتبّعتَ الإجراءات والشروط والشّكليات العسيرة المطوّلة المتداخلة التي ترتبط بمسألة الزواج مثلاً ، ستدرك حجم التعقيد الداخل في صُلبها والمحيط بها ، ومقدار الابتعاد عـن البساطة في التعامل معها ، على نحو يجعل منها متطلباً صعباً يستهلك شطراً مـن العمر ، وكثيراً من الجهد ، ومزيداً من المال ، يُرهق الشباب وأَهليهم من أمرهم عُسراً ، ويَرفع من معدل عُمر الزواج في المجتمع ، كما يزيد من نسبة العُنوسة ، بما يترتب على ذلك من آثار نفسية واجتماعية ، أشدُّ وأنكى من أية آثار إيجابية قد تنجم عن تعقيد اجراءات الزواج ، واحاطتها بهالة من الشكليات والمظاهر. أما على صعيد شكل المعيشة وأسلوب الحياة ، فإن البساطة منهجٌ في التفكير، يحتاج تَبنِّيه إلى قَدْرٍ من النضوج ، وربما احتاجَ إلى نوع من التّحدي للمألوف والمتعارف عليه والمُستقر المقبول لدى المجتمع ، بحيث يتمكَّن المرء مـن أن يُؤْثِرَ حريّتهُ على رأي الناس فيه ، وأن يرجِّحَ راحته النفسية وهدأةَ بالهِ على القيم الاستهلاكية ، وعلى نظرة مـن حوله إليه ، فيختار اللباس المريح ، وحجم المنزل الكافي ، ونوع الأثاث البسيط ، ويُؤْثِرُها على الضخامـة والفخامة والزخرف والبهرجة ، ويوجّه مواردهُ من طاقةٍ ووقت ومال إلى قيمٍ أرقى ، ومعاني أجمل ، أو إلى إشباع حاجات أهم. وعند الحديث عن البساطة ، يجدر التطرُّقُ إلى أهميتها في مجال الإدارة ، لأن لها على هذا الصعيد مدلولها ، وأهميتها ، وتطبيقاتها ، حيث تتسم الإدارة المُتّخلفة بالتعقيد ، لكثرة إجراءاتها وتداخلها ، بينما تسعى الإدارة العلمية المتقدمة إلى البساطة ، عن طريق تقليل الإجراءات التي يتطلبها أي إنجاز إلى أدنى حد ممكن ، بحيث تُحذَفُ كل الإجراءات التي لا تُسهِمُ في إصابة الهدف ، أو لا تعطي قيمة مضافة ، حتى نصل إلى درجة لا يمكن معها الحذف 0 ويدرك كل الذين يراجعون المؤسسات العامة لإنجاز معاملاتهم مقدار حاجتنا لمثل هذا النمط من التبسيط وهذا النوع من البساطة ، لاسيما أن البساطة في الإدارة لا تعني مجرد السهولة ، بل تنعكس على تقليل كلفة الخدمات والمنتجات وتحسين جودتها. إذْن، فزُبدة هذا الحديث في موضوع البساطة ، هو أن السعي إليها يعني التركيز على العناصر المتجانسة التي تؤدي الغرض ، واستبعاد الأفكار والسلوكات والعادات والإجراءات وأنوع التَّزيُّد التي لا تخدم الهدف ، ولا تعطي قيمة حقيقية للإنجاز ، ولا يترتب عليها سوى المزيد من العسر والإرهاق النفسي والعقلي والجسدي والمالي.
منقول
| |
|