الذين انتهى اليهم الجود في الجاهلية هم ثلاثة نفر حاتم الطائي وهرم بن سنان وكعب الايادي لكن المضروب به المثل هو حاتم الطائي وحده وكان اذا اشتد البرد وكلب الشتاء امر غلامه يسار فيوقد نارا في بقاع من الارض لينظر اليها من اضل الطريق ليلا فيصمد نحوه فقال في ذلك: اوقد فان الليل ليل قر والريح يا واقد ريح صر عل يرى نارك من يمر ان جلبت ضيفا فانت حر وقالوا لم يكن حاتم ممسكا شيئا ما عدا فرسه وسلاحه فانه كان لا يحود بهما ومر حاتم في سفره على قبيلة عنزة وفيهم اسير فاستغاث بحاتم فاشتراه من العنزيين واطلقه واقام مكانه في القيد حتى ادى فداءه وقالت نوار امرأة حاتم اصابتنا سنة اقشعرت لها الارض واغبر افق السماء وراحت الابل حدبا حدا بير وضنت المراضع على اولادها فما تبيض بقطرة وحلقت السنة المال وايقنا بالهلاك فوالله انا لفي ليلة بعيدة بين الطرفين اذ تضاغي صبيتنا جوعا فقام حاتم الى الصبيان فوالله ما سكتوا الا بعد هدأة من الليل واقبل يعللني بالحديث فعرفت ما يريد فتناومت فلما تهورت النجوم اذا شيء قد رفع كسر البيت ثم عاد فقال من هذا قالت جارتك فلانه اتيتك من عند صبية يتعاوون عوا الذئاب فما وجدت معولا الا عليك ابا عدي فقال اعجليهم فقد اشبعك الله واياهم فاقبلت المراة تحمل اثنين ويمشي جنائبها اربعة كانها نعامة حولها رئالها فقام الى فره فوجا لبته بمدية فخر ثم كشطه على جلده ودفع المدية الى المراة فقال لها شانك فاجتمعا على اللحم نشوي وناكل ثم جعل يمشي في الحي ياتيهم بيتا بيتا فيقول هبوا ايها القوم عليكم بالنار فاجتمعوا والتفع في ثوبه ناحية ينظر الينا فلا والله ان ذاق منه مزعة وانه لاحوج اليه منا فاصبحنا وما على الارض من الفرس الاعظم وحافر فانشا حاتم يقول : مهلا نوار اقلي اللوم والعزلا ولا تقولي لشيء فات ما فعلا ولا تقولي لمال كنت مهلكه مهلا وان كنت اعطي الانس والجبلا يرى البخيل سبيل المال واحدة ان الجواد يرى في ماله سبلا ترى ان ما انفقت لم يكن يضرني وان يدي مما بخلت به صفر وقد يعلم الاقوام لو ان حاتما اراد ثراء المال كان له وفر اما هرم بن سنان فهو صاحب زهير الذي يقول فيه: متى تلاق على علانه هرما تلق السماحة في خلق وفي خلق وكان سنان ابو هر سيد غطفان وماتت امه وهي حامل وقالت اذا مت فشقوا بطني فان سيد غطفان فيه قلما ماتت شقوا بطنها فاستخرجوا منه سنانا وفي بني سنان يقول زهير: قوم ابوهم سنان حين ننسبهم طابوا وطاب من الاولاد ما ولدوا لو كان يقعد فوق الشمس من كرم قوم باولهم او مجدهم قعدوا جن اذا فزعوا انس اذا امنوا مرزؤن بها ليل اذا قصدوا محسدون على ما كان من نعم لا ينزع الله منهم ماله حسدوا وقال الشاعر زهير ايضا: وابيض فياض يداه غمامة على معتقبه ما تقب فواضله تراه اذا ما جئته متهللا كأنك تعطيه الذي انت سائله اخو ثقة لا تتلف الخمر ماله ولكنه قد يتلف المال نائله واما كعب بن امامه الايادي فلم يات عنه الا ما ذكر من ايثاره رفيقه السعدي بالماء حتى مات عطشا ونجا السعدي وهذا اكثر من كل ما اثنى لغيره وله يقول الشاعر حبيب يجود بالنفس اذا ضن البخيل بها والجود بالنفس اقصى غاية الجود وقيل شعرا في كرم حاتم الطائي وعب الايادي ما يلي: كعب وحاتم اللذان تقسما خطط العلا من طارف وتليد هذا الذي خلف السحاب ومات ذا في الجهد ميتة خضرم صنديد الا يكن فيها الشهيد فقومه لا يسمحون به بالف شهيد وجاء في نفس هذا الكتاب العقد الفريد لمؤلفه ابن عبد ربه الاندلسي ايضا عن الجود والكرم ما يلي: قال عبدالله بن عباس سادات الناس في الدنيا الاسخياء وفي الاخرة الاتقياء وقال النبي صلى الله عليه وسلم: اصطناع المعروف يقي مصارع السوء وقال الله سبحانه وتعالى: ومن يوق شح نفسه فاولئك هم المفلحون. صدق الله العظيم. وكان خالد بن عبدالله القسري يقول على المنبر: ايها الناس عليكم بالمعروف فان الله لا يعدم فاعله جوازيه وما ضعفت الناس عن ادائه قوى الله على جزائه وقال ابو ذران: في مالك شريكين الحدثان والوارث فان استطعت ان لا تكون ابخس الشركاء حظا فافعل. وقال بزر جمهر الفارسي: اذا اقبلت عليك الدنيا فانفق منها فانها لا تبقى وكان كسرى يقول عليكم باهل السخاء والشجاعة فانهم اهل حسن الظن بالله ولو ان اهل البخل لم يدخل عليهم من ضر بخلهم ومذمة الناس لهم واطباق القلوب على بعضهم الا سوء ظنهم بربهم في الخلف لكان عظيما. وقال ابو مسلم الخولاني: ما شيء احسن من المعروف لا ثوابه وما كل من قدر على المعروف كانت له نية فاذا اجتمعت القدرة والنية تمت السعادة وانشد قائلا: ان المكارم كلها حسن كم عارف بي ولست اعرفه ومخبر عني ولم يرني ياتيهم خبري وان بعدت داري بوعد عنهم وطني اني لحر المال ممتهن ولجر عرضي غير ممتهن.