الفارابي .. ( المعلم الثاني )

البلد : نقاط : 200490 تاريخ التسجيل : 01/01/1970

الفـارابي ..(المعلم الثاني)

عمر هلسة - بالتأمل والتجارب والجد أرسى الفارابي قواعد الفلسفة الإسلامية ومن بعده أصبحت علماً منفرداً بذاته عن باقي العلوم لا بل أصبحت في الشرق أم العلوم فمن الفلسفة انطلق الفارابي لعلوم الحساب والفيزياء والطب وابتكر في الموسيقى وأسس في السياسة.
ولد أبو نصر محمد بن محمد بن طرخان المعروف بالفاربي في فاراب من أعمال تركستان سنة 260هـ/874م، وأمَّ بغداد وهو في الأربعين من عمره ودرس فيها المنطق وقرأ كتاب الطبيعة لأرسطو أربعين مرة، وكتاب النفس مائتي مرة، ورمى بالزندقة وارتدى ملابس المتصوفة واعتنق مبادئهم وعاش حياته زاهداً بالدنيا ومتاعها وقال عنه ابن خلكان أنه كان أزهد الناس في الدنيا لا يحتفل بأي مكسب ولا مسكن وتنقل الفارابي في حياته بين مصر وسوريا وحلب واتصل بسيف الدولة الحمداني وأقام في بلاطه ثم ذهب لدمشق وبقي فيها حتى وفاته سنة 339هـ/950م.
سميّ الفارابي بـ المعلم الثاني نسبة للمعلم الأول أرسطو وذلك لاهتمامه الشديد بالمنطق وشرحه لمؤلفات أرسطو المنطقيّة وبقي من مؤلفاته تسعة وثلاثون كتاباً منها شروح لأرسطو وتعليقات على آرائهِ ولخص في كتابهِ إحصاء العلوم علم عصره في الفلسفة، والمنطق، والرياضيات، والطبيعة، والكيمياء، والاقتصاد، والسياسة وكان الفارابي ذا قدرةٍ عالية على صناعة الطب ولكنه لم يعمل به أو يشتغل بصناعته وله يعود الفضل في ادخال مفهوم الفراغ إلى علم الفيزياء ويعد كتابه الموسيقى الكبير أشهر ما أُلفَ في العصور الوسطى حول النظريات الموسيقية ويتفوق على أي كتاب وصل إلينا من المصادر اليونانية وسجل مؤرخو الموسيقى أن الفارابي أول مَن قدم وصفاً لآلة الربابة الموسيقية ذات الوتر الواحد وطور على آلة القانون الموسيقية.
كانت فلسفة الفارابي أرسطوطاليسية وأفلاطونية حديثة مع صبغة اسلامية واضحة، ومع أن قدوم الفارابي إلى عالم الفلسفة جاء بعد الكندي، لكنه يعتبر أول مفكر مسلم كان فيلسوفاً بكل ما للكلمة من معنى فتحدث في وحدة الفلسفة ومال إلى النزعة التوفيقية (بين فكر أرسطو وأفلاطون) وبحث في فلسفة ما بعد الطبيعة وكان الهدف النهائي للفلسفة عنده -وهو الهدف الذي لا يمكن بلوغه كاملاً- هو معرفة العلة الأولى وخير طريق للوصول إلى هذه المعرفة هو تطهير النفس واستطاع الفارابي كما استطاع أرسطو أن يجعل أقواله عن الخلود غامضة غير مفهومة.
عددّ الفارابي الروابط الإجتماعية المشتركة في المجتمعات الإنسانية فقال: والتشابه بالخلق والشيم الطبيعية في اللسان واللغة، والاشتراك في المنزل، ثم الاشتراك في المساكن والمدن، ثم الاشتراك في الصقع ، وأعلى هذه الروابط كلها العدالة ليكون بذلك واضع نظرية العقد الاجتماعي قبل المفكر الفرنسي جان جاك روسو بعدة قرون.
من أشهر مؤلفات الفارابي كتاب آراء أهل المدينة الفاضلة الذي نشره المستشرق فريدريخ ديتريش في مدينة ليدن الهولندية ، سنة 1895م وكتاب الجمع بين رأي الحكيمين والذي حاول فيه التوفيق بين أفلاطون وأرسطو وله أيضاً التوطئة في المنطق و السياسة المدنية و كتاب الوصايا و رسالة في العقل .
يشغل الفارابي في تاريخ الفلسفة العربية موقع المعلم الأول وأكبر فلاسفة المسلمين على الإطلاق أخذ الكثير عن فلاسفة اليونان ولكنه ظل محتفظاً بشخصيته وطبع الأفكار التي اقتبسها بطابعه الخاص وأعطى الإسلام مذهباً فلسفيّاً قائماً بذاته فمهد السبيل لمن جاء بعده من الفلاسفة العرب والمسلمين وللعلماء في شتى صنوف العلم والمعرفة.

منقول