موضوع: قصة الصوم (6) - مع الصوم في السنة الخميس سبتمبر 11, 2008 10:32 pm
قصة الصوم (6) - مع الصوم في السنة
د. محمد سعيد حوى - كثرت الاحاديث التي تتكلم عن الصيام فضله واحكامه وحكمته واخلاق الصائمين وثمراته واشرنا الى بعضها من قبل، ولعلنا نقف مع نص جامع من هذه النصوص النبوية الزاهرة وذلك ما جاء في حديث ابي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة عشر امثالها الى سبعمائة ضعف، قال الله عز وجل: الا الصوم فانه لي وانا اجزي به، يدع شهوته وطعامه من اجلي، للصائم فرحتان، فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فم الصائم اطيب عند الله من ريح المسك. اخرجه بهذا اللفظ الامام مسلم وقد اخرج نحوه البخاري مفرقاً في الابواب كعادته في تقطيع الاحاديث بما يناسب موضوعها لاستخراج الاحكام والفوائد الفقهية وغيرها وفوائد هذا الحديث كثيرة ومن هذه الفوائد:. انه ورد في بعض الروايات كل عمل ابن آدم له الا الصوم فانه لي. ونتساءل اليس كل اعمالنا العبادية وغيرها يجب ان تكون لله فكيف يقال هي لابن آدم ولماذا يستثنى الصوم منها، ولماذا لا تدخل تحت حساب، ذكر العلماء وجوهاً في ذلك منها:. 1-ان الصوم سر بين العبد وربه لا يطلع عليه غيره فهو نية باطنة وامتناع عن الشهوات وغيرها من المباحات، ومن ثم قيل انه لا يداخله رياء. 2-ان الانسان بالصوم يدع حظوظ النفس وشهواتها التي جبلت على الميل اليها فلا يقترف شيئاً من هذه الشهوات بل ولا المباحات لا من طعام ومن شراب ولا من نساء.. بينما لو نظرت في أي عبادة من العبادات فأنت تدع شيئاً وتأتي اشياء، ففي عبادة الحج تمتنع اثناء الاحرام عن الجماع ودواعيه لكنك لا تمتنع عن الطعام والشراب.. والصلاة وان كان فيها معنى وحقيقة الترك لكنها مدة يسيرة جداً بالنسبة ليوم الصيام. ومن هنا، فالنفس تكون اشد تواقاناً الى ما تشتهيه وخاصة المباحات ثم هي تتركها محتسبة لله ومن غير رقيب الا الله، وهذا دال على الايمان بالله وحب الله واخلاص العمل لله. فالله يكافئ من هذا صفته ويشكر له فعله هذا فاختص سبحانه هذا العمل من بين سائر الاعمال، ولذا قال يدع شهوته وطعامه من اجلي واذا كان هذا الترك فيما كان اصله مباحاً من طعام وشراب ونساء فمن باب اولى فيما كان اصله محرماً فانه مما يستوجب غضب الله على كل حال. 3- وقيل في معنى الا الصوم فانه لي، انه يعود الى مسألة التكفير بالاعمال فقد ذكر عن سفيان بن عينية انه قال: هذا من اجود الاحاديث واحسنها اذا كان يوم القيامة يحاسب الله عبده ويؤدي ما عليه من المظالم ويدخل الجنة بالصوم أي فيكون المعنى الصوم لله فلا سبيل لأحد الى اخذ بعض حقه من الصيام بل الصيام اجره مدخل لصاحبه عند الله. الا ان يعارض هذا الفهم حديث حذيفة عندما ذكر الفتن فقال فتنة الرجل في اهله وماله وولده يكفرها الصلاة والصيام والصدقة.. الا ان يقال هذا مجمل وبالمقابل، يؤيد كلام ابن عينية ما ورد كل العمل كفارة الا الصوم فانه لي وانا اجز به . 4-ولعل المقصود الاول من الحديث ان كل اعمال ابن آدم ظاهرة للعيان لا بد مستفيد منها في حياته لأمره الخاص ولو اراد الاخلاص فمثلاً عندما يكون الانسان مجاهداً فهذا امر ظاهر فيكرمه الناس لجهاده وعندما يكون مصلياً فيتعامل الناس معه على انه حصل.. لكن الصوم هو العمل الوحيد الذي لا يراه الناس ولا يمكن ان يفيد منه الانسان في حياته فلا يقال صائم.. 5-والصوم هو العبادة الوحيدة التي لا يمكن ان يعبد بها الا الله، فلو اراد بعض الطغاة ان يتعبد الناس بصلاة او صدقة او حج فذلك ممكن ولو ظاهرياً اما الصوم فلا يمكن. 6-الصوم صبر وامتناع ولذا فان الله تعالى قال: انما يوفى الصابرون اجرهم بغير حساب فاذن الصابرون حسابهم لا يدخل تحت عد ولا حساب ابداً، بينما الاعمال الاخرى كونها فعل وايجاب فانك مهما عظمت تلك الأعمال تستطيع ان تقدر مقدار ما لها من حسنات ولا تقديراً حتى ولو اخذتها بحساب عشرة امثال الى سبعمائة ضعف الى اضعاف كثيرة، فانها دخلت تحت الحساب الا الصوم، وقد اجتمع في الصوم انواع الصبر الثلاثة: الصبر على الطاعة، فهو طاعة والصبر عن المعصية، وهو امتناع وصبر على اقدار الله وابتلاءاته. ومن هنا، قال كل عمل ابن آدم ويضاعف له الا الصوم فانه لي وانا اجزي به. 7-ثم انه يحتفي بشهر رمضان من اسباب مضاعفة الاجر امور عدة منها شرف الزمان، ومنها انه شهر القرآن وشهر تنزل الملائكة وتصفيد الشياطين وشهر فيه ليلة القدر. 8-وفي الحديث جوانب اخرى من الفضل منها للصائم فرحتان، فرحة عند فطره، وفطرة عند لقاء ربه وفي هذا اشارة الى عظم مقام الطاعة والطائعين عند ربهم وخاصة الصوم لما يجد من القبول والرضى عند الله. ولما يستشعر المؤمن من راحة وسعادة انه كان في طاعة الله وان الله اعانه على اداء هذه الفريضة، وهذا غيض من فيض مما ورد في السنة. 9-واما قوله لخلوف فم الصائم اطيب عند الله من ريح المسك ففيه اشارات منها ان الصائم كله مسك معنوياً في اخلاقه وسلوكه وما يصدر عنه من قوله وفعله.