موضوع: قصة الصوم (5) - من آيات الصيام في القرآن الثلاثاء سبتمبر 09, 2008 5:39 pm
قصة الصوم (5) - مع آيات الصيام في القرآن
د. محمد سعيد حوى - اول ما يلحظه المتتبع للآيات التي تحدثت عن فريضة الصوم ان الصيام فرض علينا بصيغة المصدر كتب عليكم الصيام ذلك ان المصدر يدل على حدث غير مرتبط بزمن، ولا شك انه يراد ابتداء اقرار الفريضة كحدث عام مطلوب لذاته، كما فرض على من قبلنا وذلك بقطع النظر عن زمنه وتفصيلاته. واذا عدنا الى الآية التي تم فيها فرض الصيام تقف مع عدة ملحوظات:. 1- النداء بصيغة المؤمنين يا ايها الذين آمنوا مع كونه باداة يا التي تدل على رفعة المكانة هنا وايها تأكيد لذلك، وهذا كله فيها تشريف ورفع قدر وحث على الفعل. وان هذا هو المأمول منكم ولأنكم جديرون ان تخاطبوا بهذه الفريضة كيف وانتم المؤمنون. 2- فيها لفت نظر الى ان من تحقق بالايمان فشأنه ان يقوم بهذه الفريضة على خير وجه، وان يفيد منها ويتحقق بآثارها. 3- قوله كتب لم يقل مثلاً فرض، او امر او شرع وهذه الصيغة خاصة في الامور التي تتعلق بكيان الامة ككل، مع كونها فيها الثبوت، لها خصوصيتها قال تعالى: كتب عليكم القتال ، كتب عليكم اذا حضر احدكم الموت الوصية للوالدين . والمتأمل في هذه القضايا يجد ان النفس الانسانية تنفر من القتل والقتال وهو كره لكم والنفس الانسانية شحيحة في شأن المال فتحتاج اذن الى اشعار بالزام خاص. 4- قرن فرض الصوم بأنه كتب على من قبلنا وفي هذا لفتات عدة منها لقد قام اقوام سبقوا بهذه الفريضة يجدر بكم وانتم الأمة الخالدة ان تتحلوا بهذه الفريضة العظيمة. 5- لذا نستطيع القول ان آيات الصوم اشتملت على الوان من التشويق والتيسير ورفع الهم فكل ما سبق هو من هذا النوع ثم يحدثنا الله عن الوان اخرى من التيسير فقوله لعلكم تتقون من اجمل انواع الحث اذ لما يحدثك عن الثمرة العظيمة المرجوة من وراء ذلك فهذا دافع لهم وعندما يقول اياما معدودات تيسير اخر نفسي وواقعي، وهذا من الاعجاز الرباني ذلك ان وقع شهر رمضان هو كذلك ضيف خفيف الظل سرعان ما يأتي وينقضي، فاذن خالق الكون وخالق شهر رمضان وخالق الازمان هو الذي صدر عنه هذا الكلام اياماً معدودات ولو كان من عند غير الله لما وجدت هذا التيسير وهذا التحقيق لمعنى كونها معدودات ثم خالق الاكوان ومنزل الكتاب هو خالقك ايها الانسان، فيجعل نفسك تطمئن ثم تستروح مع هذا الشهر الكريم. ثم من الوان التيسير ان يحدثنا القرآن ابتداء عن الاحوال الاستثنائية التي تنزل بالصائم كأنه يعطيك نوع ضمان ابتدائي: اطمئن، ان طرأ أي طارئ مهما كان نوعه يحول بينك وبين الصوم، فالرخص موجودة وهي كالأساس عندنا نبدأ بها سبحانه وتعالى وعلى الذين يطيقونه فدية .... . ومعنى يطيقونه: يصومونه بجهد جهيد أي لو بذلوا كل طاقتهم يصومون لكن يمكن ان يلحقهم اذى ونحن نريدك ان تبذل جهدك، لكن اذا قدرت ان اذى لا تحتمله سيكون فدية وان قدرت انك تستطيع الصوم بهذا الجهد الجهيد فهو خير لك وعلى هذا فلا نسخ في الآية. ان في اللغة في هذا المضمار ثلاثة مصادر على ترتيب متدرج:. 1- الطاقة وهي بذل كل الجهد وفيه اثقال وربما اذى. 2- الاستطاعة: بذل الوسع والجهد من غير اثقال ولا اذى، لذا ارتبطت الاحكام العامة بها من استطاع اليه سبيلاً فاتقوا الله ما استطعتم . 3- القدرة: القيام بالشيء دون اقتضاء بذل الجهد ومن ثم لا يقال في حق الله مستطيع ولا مطيق ولكن يقال قدير . ثم نلاحظ ان النص القرآني جاء بلفظ الصيام بينما جاء في سياق آخر فقولي اني نذرت للرحمن صوماً، فلن اكلم اليوم انسياً . فكلاهما فيه معنى الامتناع لكن تبقى كلمة الصيام اشمل من الصوم اذ ربما افادت الصوم الامتناع عن جانب محدد كالامتناع عن الكلام. ثم يأتي محفز آخر من محفزات الصيام والتيسير انه في شهر رمضان شهر القرآن. والحقيقة كأن المراد ان يقال اخترنا رمضان بين الشهور لأنه شهر القرآن فجدير بك ان تعمل على تزكية نفسك وتحقق بالتقوى لترتقي الى حقائق القرآن، وسنتحدث عن رمضان خاصة فيما بعد. ثم تستمر الآيات في بيان وجوه التيسير فمن شهد منكم الشهر فليصمه .. فالتيسير الاول في حق من يصوم بدرجة الطاقة اما من يصوم بدرجة الاستطاعة فهذا يصوم.. والتيسير الآخر لمن كان مريضاً والثالث لمن كان مسافراً ثم حث آخر ان الصوم يجعلك الاقرب الى الله فجاء ذكر الدعاء.. وجاء بعد ذلك ذكر المباحات وبعض تفصيلات الاحكام وكلها يسر ان شاء الله. ولقد وردت مادة الصيام وما يشتق منها في القرآن ثلاث عشرة مرة في احدى عشرة آية في ست سور هي البقرة، والنساء والمائدة ومريم والاحزاب والمجادلة في سياقات مختلفة. فمثلاً في المجادلة في سياق الصيام كفارة للظهار وفي الاحزاب في سياق صفات المؤمنين العليا: الصائمين والصائمات.. وفي النساء في سياق آية القتل، وفي المائدة في سياق كفارة اليمين. وهذا مؤشر على ان الله اراد ان يكون الصوم لصيقاً في حياتنا في حالات كثيرة وصفة مميزة للمؤمنين..