محمد صبحي أبو غنيمة.. الطبيب الذي أتقن السياسة والأدب
كاتب الموضوع
رسالة
البلد : نقاط : 200490 تاريخ التسجيل : 01/01/1970
موضوع: محمد صبحي أبو غنيمة.. الطبيب الذي أتقن السياسة والأدب الإثنين سبتمبر 08, 2008 7:20 pm
محمد صبحي أبو غنيمة00 الطبيب الذي أتقن السياسة والأدب
هزاع البراري - محمد صبحي أبو غنيمة الطفل المعجزة، والأديب الذي تقاسمته السياسة مع العلم ، فكان طبيباً بقلب شاعر ، وسياسي بحنو طبيب ، غزلته الغربة منذ وعى على ملاعب الصبا، ودفء بيت الأهل ، قبل أن تتخطفه يد العسكر خلسة ، وتقصيه قسراً عن أهله ووطنه ، فكانت سيرته في طفولته وشبابه، أقرب إلى قصص الخيال وعوالم السحر ، ولعله بسيرته هذه وقف على بوابة التغريب والقسوة، التي عبرت خلالها الاجيال العربية، منذ علق جمال السفاح أحرار العرب على أعواد المشانق ، وحتى سقوط فلسطين ، ولم تغلق هذه البوابه منذ ذاك. ولد على مفاصل التعب ما بين عام 1900 وعام 1902 ، ولعدم تحديد ولادته بدقة ولذلك قصة طريفة ، فلقد كانت اربد مسقط رأسه ، وهو ينتسب لأسرة عريقة عرفت بجهودها في التعليم الذي أسهم في نهضة شرق الاردن ، وهي البيئة التي تفتحت مداركه فيها ، فحرمه نبوغه المبكر حلاوة الطفولة ، وجماليات شقاوتها ، فهو ابن رحيل طويل في المدى العربي ، فلقد قدم جد العائلة من صعيد مصر مع حملة ابراهيم باشا ، واستقر ابنه علي في عكا ، بعدها انتقل الى اربد وعمل في التجارة ، بالاضافة الى اهتمامه بالعلم والادب ، وفي يوم قدم والي الشام الى اربد ، وقد القى الطفل محمد صبحي ابو غنيمة امامه كلمة ، فلاقت اعجاب واستحسان الوالي ، فطلب من والده ان يسمح له باخذ الطفل الى الشام ، لكن الوالد اعتذر لرغبته بتربيته بنفسه كون شقيقيه بالغربة احدهم باستنبول والآخر في الشام ، غير ان الوالي دبر مكيدة، وتمكن عن طريق عسكره، من خطفه و هو يلعب مع أقرانه على البيادر ، واركبه القطار الى بيت الوالي ، ويذكر محمد صبحي أبو غنيمة في أوراقه (سيرة منفية) انه لم يسكت عن البكاء حتى وصل درعا ، وقد امضى أياماً في بيت الوالي الذي أدخله مدرسة خاصة لصغر سنه، ثم اضطر لإعادته الى اربد ليتم تعديل تاريخ ولادته لكي يصبح اكبر سناً ، ويسمح له بدخول مدرسة مكتب عنبر ، حيث ادعى الشاهد على تعديل التاريخ ان محمد أبو غنيمة ولد يوم كسر ثور في منطقة البقعة. لقد كان نبوغ محمد صبحي ابو غنيمة واضحاً خلال دراسته في مكتب عنبر ، حيث تفتحت قريحته الادبية التي اقترنت بنشاطه الوطني ، وكانت مدرسة عنبر من اهم دور العلم في بلاد الشام ، بل تكاد أهميتها في تلك المرحلة تتجاوز كونها مجرد مدرسة ، كانت صرحاً علمياً ومركزاً للقومية العربية ، مع شعور الشباب العرب بوطأة الحركة الطورانية المعادية للعرب ، وفي عام 1908 م ، قام طلاب المدرسة بأول إضراب من نوعه في المنطقة، احتجاجاً على إهانة معلم تركي للطلاب العرب ، وكان من الطلاب محمد صبحي ابو غنيمة ومحمد المحيسن وإحسان الشريف وعبد الغني القادري ، و من رفاقه في مدرسة عنبر مصطفى وهبي التل (عرار) وهو من اصدقائه أيام الطفولة والصبا والدراسة، في مرحلة الرجولة والنضال أيضا. انتقل أبو غنيمة الى استنبول قبل ان يتم دراسته الثانوية ، والتحق بمدرسة الهندسة ، لكن الحرب العالمية الاولى ومرضه، دفعاه للعودة الى مدرسة عنبر حيث اتم دراسته الثانوية بتفوق، ونضج حسه الوطني وسط هذه الأحداث حيث استمر نضاله ضد الفرنسيين في عنبر حتى نفي إلى حلب ومعه عرار وآخرون ، حيث شارك ابناء الشام فرحة الانتصار بخروج الاتراك واعلان الدولة العربية في دمشق ، وساهم في التعبئة الشعبية ضد الاستعمار ، ودعا للدفاع عن فلسطين في مواجهة الخطط الغربية ، وكان عضواً في اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني الذي عقد في عجلون في قرية ( قم ) الهادف الى جمع المقاتلين لمحاربة الانجليز واليهود في فلسطين، وقد عقد المؤتمر عام 1920م. وبعد فترة افترق الصديقان ، فسافر محمد صبحي ابو غنيمة الى المانيا لدراسة الطب ، اما عرار فقد عاد الى الاردن ليعمل في التدريس و بوظائف متعددة ، وقد ظل ابو غنيمة مسكوناً بحلمه الوطني ، حتى وهو في ألمانيا ، حيث أصدر هناك مجلة ( الحمامة) لتكون حلقة وصل بين الغرب والشرق ، وقد صدر العدد الاول سنة 1923م ، وصدر عددان منها فقط ، حيث صادرها الفرنسيون بحجة انها مجلة ماجورة للالمان ، وقام الالمان ايضاً بمصادرتها لإعتقادهم انها مأجورة للفرنسيين. عاد الى اربد طبيباً عام 1928 م ، وافتتنح عيادته فيها ، ثم نقل عيادته الى عمان حيث كان اول من انار عيادته بالكهرباء في عمان ، وكانت مجهزة باحدث الاجهزة الطبية حينها ، وقد اسهمت هذه العيادة في تأليف الرعيل الأول من أحرار الأردن ، وقد شارك أبو غنيمة في عضوية اللجنة التنفيذية للمؤتمر الاردني الذي عقد عام 1928م، وشارك في المؤتمرات اللاحقة دون انقطاع ، وقد تعقدت الظروف الاقتصادية والسياسية وكثرت الدسائس ، وخلال عامي 1946-1947م ، اشتد الصدام بين الحكومة والمعارضة ، وسحبت الجنسية من محمد صبحي أبو غنيمة الذي ارتحل الى سوريا وأقام فيها ، وقد اعيدت الجنسية له عام 1953م بعد استلام جلالة المغفور له الحسين بن طلال سلطاته الدستورية ، وفي العام 1963م عينه الملك حسين سفيراً للأردن في دمشق ، فقبل مع انه كان ينأى بنفسه عن المناصب ، واستمر بمنصبه حتى العام 1966م ؟، لكنه عاد للسفارة بعد ذلك بسنة. وفي اعقاب هزيمة 1967م وما خلفته في قلبه من ألم عميق ، بدات صحته بالتدهور ، حيث اصيب بنزيف في المعدة كاد يقضي عليه ، وفي العام 1969م تم اغتيال زوج ابنته ندى خالد اليشرطي في بيروت ،/ فسكنه الحزن العميق ، وشعر بقرب النهاية حتى توفاه الله في شهر تشرين الاول عام 1971 م ، وهو على راس عمله في السفارة بدمشق ، ليدفن في مدينة اربد ، وعلى تلها الشهير بحسب ما اوصى به ، لتسكن روحه التل قريباً من روح صديقه القديم (عرار) ولو بعد حين ، أن الحياة الحقيقية المفعمة بالأحداث و المواقف لا تنتهي بالموت، بل تبقى تأثيراتها مثل شجرة طيبة.
منقول
محمد صبحي أبو غنيمة.. الطبيب الذي أتقن السياسة والأدب