موضوع: مسحراتي بيروت .. على آخر طراز الجمعة سبتمبر 05, 2008 2:05 pm
مسحراتي بيروت .. على آخر طراز
منار حبال - منذ أن كُنت طفلة ورمضان مرتبط بالمسحراتي، وهو يدور في الشوارع بعد منتصف الليل بقليل، ليصل إلى حيّنا وهو يضرب على طبلته ويردد لازمته: يا نايم، قوم وحّد الدايم، يا عباد الله، وحدوا الله، قوموا على سحوركم، أجى رمضان يزوركم ، فما إن أسمعه حتى أسرع إلى الشرفة بفرح الأطفال الذي بقي يتملكني لفترة طويلة، وأنا أتفرج عليه بعباءته البيضاء وطبله الكبير وصوته الرنان الذي ينتشلنا من تحت عباءة النوم وغطاء السرير إلى مائدة السحور التي تجمعنا. لكن سنة بعد سنة، أصبح السحر الذي يلف المسحراتي يختفي تدريجياً إلى أن تلاشى كلياً في نظري ليلة البارحة، فالليلة الأولى من ليالي هذا الشهر المبارك لم تحمل معها هذا الزائر الليلي الذي يُثري ليالينا الرمضانية بلازماته المغناة والمدائح النبوية الجميلة. فلم يعد هناك من طبل، ولا عباءة بيضاء أو يا نايم قوم وحّد الدايم ، أو ذاك المرافق الذي يحمل الفانوس ليساعد المسحّراتي على تلمّس طريقه في الشوارع التي تخلو من الإنارة، بل أصبح كل ما هناك سيارة تدور في الشوارع وعلى سقفها مكبرات الصوت التي تصدح منها الأناشيد الدينية. رحل المسحّراتي التقليدي التراثي، وجاء مسحّراتي آخر طراز. وها هو طقس آخر من طقوس رمضان يتبدل ويتغير، وقد يندثر بعد حين، ذلك أن حتى ساعات المنبه ومنبهات الموبايل قد بدأت تحلّ مكان المسحراتي لتوقظنا للسحور في ليالي رمضان. قد أعتاد على ذلك مع الوقت، لكنني سأبقى أحنّ إلى البهجة التي كانت تغمرني وأنا أتفرّج عليه بكل سحره وتألقه، وسأشفق على الأطفال الذين لن يعرفوا طعم هذا التقليد الذي كان يملأ ليالينا الرمضانية بسعادة وإثارة غريبة لم نكن نعرفها إلا شهراً واحداً في السنة.