موضوع: (التقويم ) والأساطير وعيون الرعاة الجمعة سبتمبر 05, 2008 11:26 am
(التقويم) والاساطير وعيون الرعاة
محمد رفيع - الرعاة، بين رافدي دجلة والفرات، عرفوا السماء معرفة وثيقة. فالأرض، في عيونهم، كانت قرصاً مسطحاً، يتناهى وراء الافق. وفوق رؤوسهم، تترامى قبة فلكية وسماوات عُلى. وفي مخيالهم، تصوروا ان بعض النجوم اتخذت شكل راعي ، يقود امامه قطيعاً من الشمس والقمر والنجوم. ورأوا ان النجوم تدور حول القطب ، في مدى اربع وعشرين ساعة. وان الصياد الأكبر orion يشرق من الشمس، ويذرع السماء، قبل ان يغيب في الغرب. اما الكواكب السيارة الخمسة، فقد بدت لهم اغناماً جوّالة، تدبّ ببطء بين النجوم، ولا تثبت على حال. اشكال النجوم المعروفة، الآن، لم يضعها الرعاة. لكنها رسخّت في عقول الاقدمين، تصورا للكون والحياة، واصبحت مستودعاً للأساطير والأديان والمعارف. فالمصريون نقلوا هذه الأشكال النجمية عن البابليين، ونقلها الاغريق عن المصريين، ثم نقلناها نحن بدورنا عن الاغريق. وتناقلت الاجيال هذه المجموعات، طيلة خمسة آلاف عام، بتعديلات طفيفة، نستغرب الآن معانيها، لأننا اصبحنا نجهل العقيدة القديمة، التي كانت سبباً في التسمية. فهناك الكثير من الاساطير مكتوبة بالنجوم في كبد السماء. ومن الاساطير، التي ارتسمت في وعي الانسان القديم، واجهت البشرية حقيقة الوقت والتقويم، حين استدارت لها الطبيعة، على هيئة مواسم وفصول. وبدأت محاولة الانسان، بالعودة الى السماء واجرامها، في المطابقة بين المواقيت و المواسم . فمعروف ان الارض تدور حول الشمس، دورة واحدة، كل 365 يوماً وربع اليوم، وبدقة اكثر، فان تلك الدورة تستغرق (2422ر365) يوماً. واليوم، الذي يستغرق اربعاً وعشرين ساعة، هو الوقت الذي تستغرقه الارض في الدوران دورة كاملة حول محورها، فيما لو نظر اليها احد من الشمس. اما ربع اليوم الشاذّ ، فقد كان مشكلة كبرى، بالنسبة الى واضعي التقاويم ، منذ اقدم العصور. وقد بقيت البشرية تتخبط، في مشكلة ربع اليوم، اكثر من الف عام، الى ان استطاعت وضع الأمور في نصابها، نسبياً. فمشكلة ربع اليوم، الاساسية، انه لا يمكن اهماله، ولا اسقاطه من الحساب، لأن التقويم عندها لا يتماشى مع الفصول. اذ يأتي الربيع، عندها، متأخراً يوماً كاملاً كل اربع سنين، وعلى مدى قرن من الزمان، سيكون الفرق، بين التقويم وبين الفصول، نحو اربعة اسابيع. ولهذا ، كان تنظيم تقويم شمسي امر صعب، وما هو اكثر صعوبة كان تنظيم تقويم قمري. فدوران القمر، دورة واحدة، حول الارض، يستغرق، في المتوسط 53ر29 يوماً. فاذا اعتبرت السنة اثني عشر شهراً، استناداً الى دورة القمر، فان السنة تصبح 354 يوماً. وعليه، يصبح مقدار الخطأ، عن السنة الشمسية، احد عشر يوماً وربع اليوم، فتأتي ،عندها، الفصول متأخرة عن مواعيدها شهراً كاملاً، كل ثلاثة اعوام. نظام التقويم الروماني ابتدأ في الفترة التي تأسست فيها روما، في العام 753 ق.م.. وقد عرف المصريون القدماء طول السنة، بدقة كبيرة، لم يبلغها الرومان. فالرومان بنوا تقويمهم، في البداية على دورة القمر، وكان لديهم اثنا عشر شهراً قمرياً، وكل بضعة اعوام، عندما تتأخر الفصول عن مواعيدها، كانوا يحشرون في السنة شهراً اضافياً. وهو شهر شكّل متاعب كثيرة، خصوصاً عندما تحوّل الى اداة خبيثة في يد السياسيين، في ذلك الوقت. وذلك عندما كان هذا الشهر يحشر، من دون سابق انذار، من اجل تمديد فترة تسجيل الجنود للحرب، أو لتأخير انتخاب اعضاء مجلس شيوخ جديد ..!. وحين وصل يوليوس قيصر الى السلطة، كانت مشكلة التقويم، قد وصلت غايتها، وصار من العسير تحملها. اذ كانت اول ايام الربيع تحلّ في حزيران(!)، ولم يكن افراد الشعب يعلمون موعد اضافة الشهر الجديد. فقام يوليوس قيصر باستدعاء الفلكي المصري سوسجين ، من الاسكندرية، عام 46 ق.م.، حيث قام بوضع التقويم القيصري اليولياني ، وذلك في آخر عام من اعوام فوضى التقويم. وتبعاً للنظام الذي كان يستعمله المصريون القدماء، فقد ازداد طول السنة الى 365 يوماً وربع اليوم، وذلك باضافة احد عشر يوماً الى التقويم القمري القديم. وسمي الشهر السابع يوليو (تموز)، تكريماً للامبراطور يوليوس قيصر، وجعلوا ايامه 31 يوماً. ومن ثم، سمّي الشهر الثامن اغسطس (آب)، في زمن حكم خلفه اغسطس قيصر ، وكانت ايامه 30 يوماً، فأخذوا له يوماً من شهر شباط، من اجل ان يجعلوه مثل شهر يوليو..!!. كان من المستحيل اضافة ربع يوم، الى كل عام، فوضع سوسجين يوماً اضافياً، كل اربعة اعوام، ما يعطي النتيجة ذاتها، على مدى اطول. فجعل السنوات الكبيسة هي السنوات التي تقسم على اربع (2000، 2004، ،2008،..) واليوم الاضافي يوضع في شهر شباط، من تلك السنة. ولكن سنة سوسجين ليست دقيقة تماماً، فهي اطول من الحقيقة بإحدى عشر دقيقة واربع عشرة ثانية. ولم تتضح خطورة هذا الفرق الا بمرور الزمن. ففي القرن السادس عشر الميلادي، صار الربيع يبتدئ في 11 اذار (مارس)، اي ان الموعد الحقيقي له يسبق الموعد الذي يقرره تقويم سوسجين باسبوعين. وهو ما قضى باصلاح آخر في التقويم، قام به الفلكي كلافيوس بطلب من البابا غريغوري الثالث عشر . فقام بحذف ثلاثة ايام، من التقويم، كل اربعمائة سنة. وقد رتب ذلك، بأن جعل السنة التي ينتهي بها كل قرن سنة غير كبيسة، ما عدا تلك التي تقسم على اربعمائة (1600، 2000، رر2400.). فصار التقويم الغريغوري يعطي تقريباً جيداً لطول السنة الحقيقية، فهو لا يزيد عنها الا بمقدار 26 ثانية، وهو فرق سيتراكم، على مدار السنين، ليصبح بطول يوم، تقريباً، في العام 4900م. العالم الذين يدين بالكاثوليكية رحّب بتقويم البابا غريغوري، وقام بتطبيقه مباشرة، في حين قابلته البلاد، التي تدين بالبروتستانتية، بفتور. حيث استمر البروتستانتيون متمسكين بالتقويم القيصري (اليولياني)، نحو قرنين من الزمان، وكانوا يسمونه تقويم النمط القديم . وخلال فترة الخلاف، في التقويم، بين العالمين الكاثوليكي والبروتستانتي، كان بامكان المرء ان يسافر من فرنسا في 4 كانون ثاني (يناير) عام 1600، فيصل الى انجلترا في 25 كانون اول (ديسمبر) عام 1599. ما أحدث ارباكاً شديداً في المعاملات التجارية والقانونية والمعاهدات واعياد الميلاد وغيرها. وفي نهاية الأمر، قررت انجلترا ومستعمراتها الاميركية (البروتستانتية) السير على التقويم الجديد، في العام 1752. حيث كان الخطأ، في تلك الفترة، قد بلغ احد عشر يوماً. ما اضطر الحكومات الى وضع 14 ايلول مباشرة بعد 2 ايلول، لكي لكي يتفق التقويم القيصري مع التقويم الغريغوري. فوقعت، احداث شعب في لندن، وخرج الناس الى الشارع، يهتفون: اعيدوا لنا ايامنا الأحد عشر ..!.