موضوع: المجريطي .. إقليدس الأندلس الجمعة سبتمبر 05, 2008 11:05 am
المجريطي.. اقليدس الاندلس
عمر هلسة - يعد من أكثر علماء العرب الأندلسيين تأثيراً في مسار العلوم الحديثة، ومن القلة الذين ما زالت نظرياتهم واكتشافاتهم في الفلك والكيمياء باقية كما هي حتى وقتنا الحاضر. هو أبو القاسم مسلمة بن أحمد بن قاسم بن عبد الله المجريطي، قضى حياته في القرن الرابع الهجري، لقب ب إقليدس الأندلس لتعمقه في دراسة الرياضيات وما حققه فيها من مرتبة عظيمة ساوته بعالم الرياضيات اليوناني المشهور إقليدس ، ولد في مدينة مجريط (مدريد) في الأندلس سنة 338ه/950م وتوفي سنة 398ه/1007م، وتنقل بين مدن الأندلس والمغرب العربي حتى استقر آخر عمره في قرطبه. نبغ المجريطي في الكيمياء وكانت إنجازاته في حقول التفاعلات الكيميائية، حجر الأساس لدراسات علماء القرون الوسطى من بعده، ومن أهم إنجازاته فيها اكتشافه لأكسيد الزئبق ذي اللون الأحمر الذي ينتج من التسخين البطيء للزئبق الصلب، ويعد المجريطي أول من توصل إلى أن كتل المواد المتفاعلة مساوية في الوزن لكتل المواد الناتجة ليكون بذلك واضع نظرية حفظ المادة التي تلازمت فيما بعد ونظرية حفظ الشحنة الكهربائية ، وهما للآن النظريتان اللتان تحكمان التفاعلات الكيميائية على إختلافها. كان المجريطي فلكيّاً فذاً، شرح كتاب المجسطي للعالم اليوناني بطليموس، كما وطور على الاسطرلاب وكتب فيه رسالة ترجمت فيما بعد للغة الاتينية، وصحح المجريطي أزياج (جداول) الخوارزمي، ومنها نقل التقويم الفارسي إلى التقويم الهجري، ويعد تصحيحه لموقع خط منتصف النهار من أعظم إلإنجازات الفلكية التي سجلها التاريخ، فقد حدد المجريطي موقع خط منتصف النهار في قرطبة، خلاف ما كان سائداً في ذلك الزمان بمروره بين الحبشة والهند، ومع تطور العلم تبين أن الفارق بين خط المجريطي الذي وضعه قبل أكثر من ألف عام وخط منتصف النهار أو ما يعرف اليوم بخط جرينتش ، هو خمس درجات موجبة شرقاً فقط. درس المجريطي بالإضافة للعلوم السابقة الطب وعلم النبات والتاريخ والتاريخ الطبيعي وعلم الإجتماع، وساهم بنقل رسائل إخوان الصفا الفلسفية وكتاباتهم في الكيمياء والرياضيات إلى المغرب العربي وأروبا، ويعد المجريطي صاحب مدرسة أندلسيّة عريقة بحثت في كل صنوف العلم والمعرفة وتأثر بها عدد كبير من علماء المغرب العربي أمثال ابن خلدون والغرناطي والزهراوي. من آثار المجريطي في الكيمياء كتاب رتبة الحكيم المكون من أربعة فصول أوضح فيها أهمية العلوم الأخرى لمن يريد الاشتغال بالكيمياء وتناول فيه أيضاً كتب الأوائل وفك الرموز وعمل الأكاسير، وكتاب غاية الحكيم وفيه تطرق لإنجازات علماء الأمم القديمة من قبله في الكيمياء وتُرجم إلى اللاتينية سنة 1252م بأمر من الملك ألفونسو ونال في الغرب شهرة واسعة وكان يعرف بكتاب (بيكاتريكس)، أما في الفلك فله كتاب اختصار تعديل الكواكب من زيج البتاني وفي الرياضيات كتاب المعاملات وتمام علم الأعداد و كتاب ثمار العدد في الحساب ومن آثاره أيضاً كتاب روضة الحدائق ورياض الخلائق . من أقوال المجريطي التي تعكس نظرته الشمولية للعلوم ورفضه لتجزيئها وتبين فضل الكيمياء لطالب العلم ومدى تداخلها بشتى صنوف العلم والمعرفة: لا يجوز لأي رجل يدّعي العلم إذا لم يكن ملماً بالكيمياء، وطالب الكيمياء يجب أن تتوفر فيه شروط معينة لا ينجح بدونها، إذ يلزمه أن يتثقف أولاً في الرياضة بقراءة إقليدس، وفي الفلك بقراءة المجسطي لبطليموس، وفي العلوم الطبيعية بقراءة أرسطو، ثم ينتقل إلى كتب جابر بن حيان والرازي ليتفهمها، وبعد أن يكون قد اكتسب المبادئ الأساسية للعلوم الطبيعية يجب عليه أن يدرب يديه على إجراء التجارب، وعينيه في ملاحظة المواد الكيماوية وتفاعلاتها، وعقله على التفكير فيها ، وما أقرب نظرة المجريطي لواقع العلوم المعاصر، فمعظم الإنجازات التي تضاف في أي مجالٍ من مجالات العلوم -إن لم يكن كلها- ما هي إلا ثمار عملٍ علمي متكاملٍ يضم كافة فروع المعرفة.
الجمعة سبتمبر 05, 2008 11:05 am