البلد : نقاط : 200490 تاريخ التسجيل : 01/01/1970
| موضوع: الأفكار المعلَبة السبت يوليو 12, 2008 9:10 am | |
|
الأفكار المُعلَّبة
صحيح ان التفكير السليم هو أهم وسائل حل المشاكل الآنية بصورة صحيحة، غير ان حل المشاكل حلا تقليديا لا يأتي بجديد، لأن حل المشكلة هدفه اعادة الأمور الى حالها!! التي كانت عليه وتقليل الخسائر والمخاطر والآلام، فهو لا يعطي قيمة مضافة!! ولا يخلق التطور والتقدم والابداع. ويتابع الكاتب والمفكر ابراهيم كشت في كتابه هذا (تفكيرنا ..) الصادر في عمان عن دار الشروق عام 2006، الذي استخدم منهج اعادة التفكير لا يقتصر على مراجعة الاعتقادات والثقافات الأساسية السائدة او على اعادة النظر فيما نراه بديهيا مألوفا مستقرا من الحقائق والتصورات، أي ان الحاجة لهذا المنهج لا تقتصر على العلماء والمفكرين والكتّاب والدارسين، وانما لها تطبيقات في حياتنا اليومية تكون مفيدة لمن يتبناها، فعلى مستوى العمل مثلا يمكن للمرء ان يسأل نفسه: لماذا اؤدي عملي على هذا النحو الذي اعتدت عليه لسنوات؟! او اقتبسته ممن سبقوني؟! الا توجد وسيلة افضل لاداء هذا العمل؟! او وسيلة أقل هدرا للوقت واستغراقا للجهد؟! او أقل كلفة او أعلى جودة؟! ولماذا اعتقد بأن المكتوب في الأدلة واللوائح أمر نهائي لا يقبل المراجعة والتعديل؟! لماذا أتقيّد بالنصوص معتقدا بقدسيتها؟! الا يمكن النظر في تعديل هذه النصوص او الاستغناء عنها؟! وعلى ذلك قس الكثير من مناحي الحياة التي يمكننا اعادة النظر والتفكر والتأمل فيها. وفي هذا الكتاب لمؤلفه المفكر الاجتماعي والاداري ابراهيم كشت نقرأ في فصل خاص عن الأفكار المعلبة حيث يتساءل: لا اذكر أين قرأت تعبير (الأفكار المعلبة) او ممن سمعته او كيف اقتبسته، لكنني أجد فيه استعارة بليغة، فلفظ (المعلبات) يشير الى اطعمة جاهزة محفوظة في أوعية معدنية محكمة الاغلاق تمنع تسرب الهواء اليها، وهي في متناول اليد سهلة التداول يسيرة الاستخدام تكفي المرء عناء التحضير والطهي وتوابع ذلك. وثمة في حياتنا افكار جاهزة كثيرة نتوارثها او نتناقلها او نقتبسها وهي شديدة الشبه من حيث طريقة حفظها وتداولها وسهولة استخدامها بالمعلبات، ونجد ان الكثيرين منا يعولون على تلك الأفكار في تفسير الوقائع والأحداث والعلاقات من حولهم، ويعتمدون عليها في اصدار الاحكام على الأفراد الجماعات والأمم والأفكار والثقافات والحضارات ويلجأون اليها في فهم المشاكل وتقديم الحلول القاطعة السريعة لها. وكثيرا ما تأخذ هذه الأفكار المعلبة صيغة المثل الشعبي او الحكمة التراثية او الشعارات او صورة خلاصة الخبرات او زبدة التجارب، كما يغلب ان تعرض تلك الأفكار بصورة موجزة مختصرة فيها من البساطة والسطحية ما لا يتوافق مع ما في الحياة من تعقيد وتشابك في العوامل، وتعدد في الأسباب المؤدية الى النتائج وعلاقة جدلية بين السبب والنتيجة.. كما انها من السذاجة والسطحية بحيث لا تراعي الاختلاف بين الاشخاص وطبائعهم ودوافعهم والمؤثرات التي توجههم والظروف المحيطة بمواقفهم وسلوكاتهم. اما لماذا يقبل الناس على استهلاك الأفكار المعلبة؟!! فان مما يشجع الناس على تبني الأفكار المعلبة بطريقة شعورية او لا شعورية لأن تلك الأفكار يغلب ان تقدم أسهل التفسيرات بغض النظر عن صحة تلك التفسيرات او بطلانها، كما تقدم أيسر الحلول دون اعتبار لصحة تلك الحلول، وآثارها المستقبلية، او مدى قدرتها على اجتثاث المشكلة او معالجة اسبابها، او الحيلولة دون تكرارها، او منع ظهورها في ثوب آخر جديد. وانك لتلمس مثل هذه الأفكار المعلبة في احاديث كثير من الناس سواء في الأمور الاجتماعية أم الاقتصادية أم السياسية، ولأنها أي الافكار المعلبة تستخدم في التحليل واصدار الأحكام كما تستخدم في فهم المشاكل وحلها فانه يترتب على ذلك بطبيعة الحال مواقف وتصرفات خاطئة. واذا كانت ثمة مشكلة اقتصادية كالفقر مثلا او المديونية او ما الى ذلك وجدت لدى البعض تفسير جاهز فورا، فقد يقولون لك ان سبب كل بلاء هو الفساد!! مع ان مثل هذه الجوانب الاقتصادية أعمق واعقد من ان تنتج عن سبب واحد!! فثمة دائما عوامل متعددة وأسباب مترابطة وظروف مجتمعة ظاهرة وخفية تؤدي الى ظاهرة ما. اما اذا كان الحديث في مجال السياسة فسوف ترى كيف ان الكثيرين يفسرون كل حدث من منطلق فكرة واحدة معلبة هي فكرة (المؤامرة) وهي فكرة جاهزة تقدم أسهل التفسيرات واكثرها قدرة على القاء اللوم على الآخر واعفاء الذات من المسؤولية. وفي المجال الاجتماعي تستمع احيانا الى احاديث وحوارات في المجالس او في برامج التلفزيون تبحث في العادات والتقاليد، فينبري المتحدث للتأكيد على (ضرورة المحافظة على العادات والتقاليد في مجتمعنا) ويجري الآخرون جريه في هذا الحديث، او في هذا النمط من التفكير لأنه يقوم على فكرة جاهزة كثيرة التداول يرددها حتى المثقفون والكتاب. ويبدو ان أحدا منهم لم يتوقف عندها، ليعلم ان مجرد تداول هذه العبارة او الفكرة لا يعني صحتها!! فبعض العادات تكون اصلا معوقة للانتاج او عقبة في سبيل التطور، وبعضها يكون قد نشأ في ظل نمط من الحياة يتناسب معه ثم اختفى ذلك النمط!! وبقيت العادات قائمة.. فالاحتفال بالمناسبات السعيدة لأيام وليال طويلة مثلا كان يناسب نمط المجتمع الزراعي الذي كان يقاس فيه الزمن بالفاصل بين الموسم والآخر، ولم يعد يناسب المجتمع الذي يرغب في ان يكون منتجا ما دام الوقت عنصرا أساسيا في العمل والانتاج.
منقول
| |
|