موضوع: الكِندي .. حقيقة الفلسفة الإثنين سبتمبر 01, 2008 10:21 am
الكِـنْـديّ.. حقيقة الفلسفة
عمر هلسة - ما إن يرد اسم الكندي حتى يتبادر للأذهان تراث الفلسفة الإسلامية، فهو أحد من عملوا على تأسيس صرح معرفي كبير وأصبحت كتبه ورسائله مرجعا مهما للمختصين بتاريخ الفلسفة. هو أبو يوسف يعقوب بن إسحاق الكِنْديّ، قضى معظم حياته في القرن الثالث الهجري، لقب فيلسوف العرب ولم يُجمع المؤرخون على تاريخ مولده ووفاته ولكن باستعراض من عاصرهم من الخلفاء العباسيين وما عاصر من أحداث، يكون الكندي بالتقريب ولد نحو عام 185هـ/801م وتوفيَّ نحو عام 252هـ/866م وتنقل في حياته بين الكوفة والبصرة وبغداد. يعد الكندي أول فيلسوف عربي خاض في الموضوعات الفلسفية والعلميّة وعالجها بلغة الضاد، ليكون بذلك الرائد الأول للمدرسة الفلسفيّة العربيّة وتمكن من إتقان اللغتين السريانية واليونانية وبدأ بتحقيق حلمه فأسس مدرسة في الترجمة تعتمد علي الأسلوب الجميل الذي لا يغير الفكرة المترجمة لكنه يجعلها سهلة الفهم وخالية من الركاكة والضعف. اهتم الكندي بإيضاح حقيقة الفلسفة واعتبرها أشرف العلوم وأعلاها مرتبة كما عرض لقضية التوفيق بين الفلسفة والدين، مظهراً أن الفلسفة علم الحقّ وأن الدين أيضاً علم الحقّ والذي يتنكر للفلسفة، في نظر الكندي، يتنكر للحقيقة وهو من ثم كافر. بحث الكندي في حقيقة الفلسفة ومفهوم الحقيقة وفي طبيعة وقوى النفس البشرية وبحث في فلسفة ما بعد الطبيعة، وعالج الموضوعات الفلسفية التي عالجها الحكماء الأقدمون من قبله ولكنه احتفظ في معالجتها باستقلاله برأيه فلم يكتفِ بنقل أرسطو وأفلاطون أو غيرهما من فلاسفة الإغريق، بل اختار من الآراء التي عرفها ما يلائم نزعته الخاصة ومعتقده الديني. لم يكن للكندي نظام فلسفي شامل وكانت طريقته في اقتناء الفلسفة منطقيّة رياضيّة، وحاول أن يطبق الطريقة الرياضيّة والعدديّة في الفلسفة وألف رسالة في أنه لا تُنال الفلسفة إلا بعلم الرياضيات ، واستعان بالسلم الموسيقي اليوناني الذي اخترعه فيثاغورس ليضع أول سلم للموسيقي العربية مسميا العلامات الموسيقية، واهتم كثيراً للناحية الشكليّة، كما واهتم بإيضاح المفاهيم والمصطلحات الفلسفيّة، واتصفت تحديداته بالدّقة والإيضاح كأن حدد العنصر مثلاً طينة كل طينة والعمل فعل بفكر والمعرفة رأي غير زائل الخ... واهتم أيضا بالكيمياء وألف في تركيب العقاقير الطبيّة فالفيلسوف في تلك العصور كان عالما شاملا مطلا على شتى المعارف ومرجعا في بعضها، وكانت الفلسفة مرتبطة بالعلوم التطبيقية ومدخلا لدراستها واتقانها. له من الآثار مجموعة كبيرة من الرسائل جُمعت في كتاب رسائل الكندي الفلسفيّة ، منها رسالة الحدود التي جمع فيها ما اشتهر في حدود الفلسفة عند الأقدمين، و رسالة الإبانه عن سجود الجرم الأقصى وطاعته لله عز وجل وفسر فيها لتلميذه الأمير أحمد بن المعتصم السجود والطاعة بمعنى إظهار عظمة الله والانتهاء إلى أمره، وله رسالة في وحدانيّة الله وتناهي جرم العالم وله كتاب في الفلسفة الأولى والذي بعثه رسالة إلى المعتصم بالله. من نصوصه الفلسفيّة: ينبغي لنا أن لا نستحي من استحسان الحق واقتناء الحق من أين أتى، وإن أتى من الأجناس القاصيّة عنا والأمم المباينة لنا فإنه لا شيء أولى بطالب الحق من الحق .