لقد نبغ في القرن الخامس الهجري بلاغي اديب يدعى عبدالقاهر، واشهره مؤرخو الأدب بهذا اللقب (عبدالقاهر الجرجاني)، واظن القارئ يدرك نظريته في قيام البلاغة واساليب البلاغة على النحو، وجعل المعاني الدقيقة الجميلة المؤثرة مرتبطة ارتباطاً عضوياً بقواعد النحو، وكان له الى جانب ذلك رأي في قوة المعنى، اذ جعل المعاني تشق سبيلها الى النفوس بشيئين، احدهما الجودة في تركيب الكلام بعضه ببعض لينشأ معنى جذاب وفاعل، وثانيهما: تقوية الفكرة او المعنى بالأمثلة التي تحول الفكرة الى واقع حسي ملموس، وقد اشتهر الشعراء العرب بضرب هذه الامثلة مستفيدين من اساليب القرآن الكريم التي شقت طريقاً في تعميق المعاني بالأمثلة. الشاعر ابو العتاهية كان من اصدق الناس لهجة، وقد اخذ نفسه بحزم في توجهها الى الله لا الى غيره في سائر عمله، وربما كان ابو العتاهية من هذا النوع الذي مدحه الله تعالى واستثناه من تذبذب الشعراء، قال تعالى: ''الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات''، وهذا ابو العتاهية يعترض على صاحبه المؤمن الذي يأمل المغفرة والنجاة من غير عمل، قال فيه: ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها: ان السفينة لا تجري على اليبس. وهذا عبد القاهر يحث الناس على التوحيد الخالص، ويبلغ ذلك بضرب المثل، قال عبدالقاهر يقول سبحانه وتعالى: ''ضرب الله مثلاً رجلاً فيه شركاء متشاكسون ورجلاً سلماً لرجل هل يستويان مثلاً، الحمد لله بل اكثرهم لا يعلمون''، فالله تعالى لا يقبل الشرك أي نوع من الشرك، ولا يأذن بأن تكون العبادة الا لذاته ولا يشترك مع ذاته احد، ولك ان تفهم من المثل السابق ما افهمه منه، ولك ان تفهم غير ذلك، فلم تكن هذه الآيات محصورة في يوم من الأيام بشيء قليل قلق محدد، كان كتاب الله حريصاً جداً على بيان الأفكار بالأمثلة، وقد اخذ الشاعر العربي ذلك عبرة لنفسه ولشعره: قال احدهم:. الم تر الهواء في رقته ولطفه اوتي شدة القوى. يكاد يلمس الثريا رفعة من حيث تلقاه يصافح الثرى. ونعم الرأي رأي عبدالقاهر الجرجاني، فالكلام البليغ المؤثر يحتاج الى تركيب لغوي سليم ومثل جيد يسهل فهم الغرض، ونعمت اللغة التي تصور ادق المشاعر والأحاسيس.
الخميس يوليو 24, 2008 9:37 pm