موضوع: البير قصيري .. الساخر الكسول السبت ديسمبر 27, 2008 10:12 am
البير قصيري.. الساخر الكسول
مات البير قصيري عن عمر بلغ 95 عاما مؤخرا في باريس.. تلك المدينة الساحرة بأناقتها وثقافتها وفنونها الباهرة والتي رحل اليها البير قصيري منذ العام 1945 قادما من موطنه الاصلي مصر وبالذات من القاهرة التي ولد فيها عام 1923. والمبدع الروائي البير قصيري كان شخصية زاهدة جدا في حياتها، اذ تميز اسلوبه بالعيش بالبساطة المذهلة.. حتى انه كان يردد دائما آراءه وشعاراته في الحياة في مثل تلك العباراة والتي كان يطبقها فعلا وليس قولاً: * لست بحاجة الى امتلاك سيارة جميلة كي أُثبت وجودي على الارض. * ان التخلص من طاغية لا يعني بالضرورة القضاء على الطغيان. * لا املك شيئا على الاطلاق.. لكنني حُر.. فلا جدوى من امتلاك الاشياء المادية. * الحياة جميلة.. فحري بنا ان نضحك وان ننعم بالوجود. * الزهد ليس في قلة المال.. بل في قلة الرغبة فيه. * لا ازال احيا لانني من دون نسل ولا حارس مبنى ولافاتورة كهرباء.. يكفيني فقط ان اعيش. كنت وسأبقى مصريا.. فرنسي الثقافة واللغة.. لذلك فان كتبي لا تتحدث سوى عن وطني الام مصر. وهذا الكاتب الروائي قصيري والذي كتب ( 8 ) روايات باللغة الفرنسية عن الحياة المصرية خلال اقامته الطويلة في باريس كان يتمتع بحس البساطة والصعلكة والتسكع والاناقة ايضا.. فقد كان يهتم كثيرا بمظهره وبملابسه الانيقة التي واظب على ارتدائها.. وكان علامة مميزة من علامات الحي الباريسي الذي عاش فيه من خلال غرفة متواضعة في فندق قديم وشهير حتى ان سكان الحي اللاتيني كانوا يعرفونه جيدا باناقة ملابسه وابتسامته الجذابة وبهدوء حياته المتواضعة التي كان يقضي اكثرها في غرفته امام النافذة يراقب الشارع او يخرج الى المقهى القريب في الحي حيث يجلس ليشرب قهوته ويدخن ويتامل او يحادث بعضهم ممن يعرفونه. وخلال حياته الباريسية الطويلة صادق العديد من المع نجوم الادب والفن مثل: البير كامو، والاميركي هنري ميلر، والفنان جياكوميتي، وجورج حنين.. اما وزيرة الثقافة الفرنسية كريستين البانيل فقد وصفته عند رحيله عن الدنيا في اواخر عام 2008 في نعيها له بأنه المبدع الخلاق وامير من امراء الادب الفرنسي. وكان البير قصيري ومنذ شبابه في القاهرة قد تعلم في مدرسة فرنسية حيث عرف طريقه الى الادب الفرنسي وقرأ ووقع في حب اللغة الفرنسية مثل الادباء الكبار: بلزاك وموليير وفيكتور هيجووفولتير.. فكتب فيما بعد عندما هاجر الى باريس اعماله الروائية التي دارت جميعها حول القاهرة واناسها الطيبين والبسطاء والهامشيين والفقراء والكسالى حتى اللصوص الظرفاء وذلك عن فترة الثلاثينيات والاربعينيات من القرن الماضي. اما عن اسماء رواياته هذه والتي كتبها باللغة الفرنسية وترجم بعضها الى (15) لغة عالمية فمنها مثلا: - شحاذون ونبلاء - مؤامرة المهرجين - منزل الموت الاكيد - كسالى الوادي الخصيب - الوان النذالة وهكذا عاش ومات هذا الاديب (الفرانكفوني) المصري الفرنسي والذي لم يتزوج ولم يخلف ذُرية سوى اعماله الابداعية وآراءه في الحياة التي عشقها وعشق الحرية والتحرر من الامتلاك، وهوى الكسل كذلك الفقر.. فقد كان مثل ابطال رواياته ينتصر للفقر. ومن بعض مقولاته وفلسفته في الحياة نقتطف هنا بعضها مثل: * اخاف بشدة ان اكسب مالا كثيرا واصبح ثريا. * احب في الرجل خفة الروح والقدرة على الابداع.. وفي المرأة الاناقة. * انني امتلك جميع المواهب. * لم اندم على أي شيئ في الحياة * لم اشعر باليأس او الاحباط في حياتي. * لا يوجد لدي بطل مفضل. * احب ان اموت على فراشي في غرفة الفندق - وهذا ما كان حقا-. * اخيرا يقول عنه الشاعر اللبناني المعروف محمد علي شمس الدين ما يلي: ''يُخيل لي وعلى بعد الازمنة والامكنة والظروف ان هناك تشابهاً بين البير قصيري وابي العلاء المعري لجهة فلسفة العزلة، ولقوة تأثير كل من هذين المعتزلين في مجتمعه ومجتمع كل الازمنة من خلال الكتابة ونموذج السلوك''.
السبت ديسمبر 27, 2008 10:12 am