لمسة أمل
لمسة أمل
لمسة أمل
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

لمسة أمل


 
الرئيسيةالبوابة**أحدث الصورالتسجيلدخول

 

 في النفس والمجتمع

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة





البلد : في النفس والمجتمع Jo10
نقاط : 198110
تاريخ التسجيل : 01/01/1970

في النفس والمجتمع Empty
مُساهمةموضوع: في النفس والمجتمع   في النفس والمجتمع Icon_minitimeالثلاثاء ديسمبر 28, 2010 4:05 pm




في النفس والمجتمع




ما هو كائنٌ .. أم ما يجبُ أن يكون؟

إبراهيم كشت - هل ينبغي أن نتعامل في سلوكاتنا وتوجّهاتنا واهتماماتنا مع ما هو كائن، أم مع ما يجب أن يكون؟ وأي الأشخاص أكثر نجاحاً في الحياة، هؤلاء الذين يضعون في اعتبارهم الواقع القائم وحده فيتعاملون معه، أم أولئك الذي يستحضرون في أذهانهم ما يجب أن يصير إليه الواقع، ثم يتعاملون على أساسٍ من ذلك؟ وأي هذين الفريقين أكثر ذكاءً؟ وأيهما أقرب لمبادئ الأخلاق الحسنة، وقيم الحق والخير والجمال وسواها من القيم الرفيعة؟.
أعتقد أن المشتغلين بالعلوم أو المهتمين بها، سواء العلوم الطبيعية أو الإنسانية، وكذلك المشتغلين أو المهتمين بالفكر والفلسفة والفن والأدب والبحث، والمصلحين والساعين نحو الإصلاح، هؤلاء جميعاً ينظرون إلى الواقع غالباً من خلال ما يجب أن يكون عليه، فنظرتهم لما هو قائم وموجود ناقِدَةٌ عادة، واهتمامهم ينزع إلى الأفضل ويصبو إليه، فالعالِمُ في مختبره مثلاً، يقاوم جهل الإنسان القائم في جانب من جوانب الواقع ليصل به إلى ما يجب أن يكون من معرفة وعلم بذلك الجانب، فيسعى نحو الاكتشاف والاختراع الذي يحقق الأفضل، من حيث تحسين حياة الإنسان وتسهيلها وتخفيف آلامها، وهذا هو حال المفكر والباحث والأديب والمصلح، يحلل الواقع القائم ويقارنه بما يجب أن يكون الحال عليه ويسعى نحوه .
وإذا كان هذا هو شأن العلم والفكر والأدب والإصلاح في تعاملها مع ما هو كائن وما يجب أن يكون، فإن ثمة مجالات أخرى في الحياة لا تُلقي بالاً إلا للواقع القائم، ولا يهمُّها عادة ما يجب أن يكون، لا من قريب ولا من بعيد، ومن ذلك مثلاً السياسة والتجارة من حيث ممارستهما الفعلية في واقع الحياة في غالب الأحوال ومعظم الأحيان . فالسياسة كما يقال فيها هي فن التعامل مع الواقع، ومحورها وهدفها المصالح وليس السعي نحو ما يجب أن يكون، وهذه هي أيضاً حال التجارة التي ترمي إلى الربح من خلال التعامل مع عناصر الواقع، وليس مع ما ينبغي أن يكون، وإذا كانتا كلتاهما، أي السياسة والتجارة، تحاولان الظهور بغير هذه الحقيقة فتلك أيضاً محاولات تهدف لتحقيق المصلحة من خلال التعاطي مع ما يستلزمه الواقع القائم ولو بالتظاهر والادعاء .
ولعلّ هذه الحقيقة، حول كون السياسة بطبيعتها تتعامل مع ما هو كائن وليس مع ما يجب يكون، تفسر ما يَحارُ الناس فيه عادة حين يجدون صاحب المبادئ الداعي للإصلاح، ما أن يتولى منصباً حتى يرى الناس منه سلوكاً مختلفاً عن منهجه السابق، فيتعجّبون . وعِلّةُ هذا السلوك أن هذا الشخص يكون قد انتقل حين تولى المنصب من التعامل مع ما يجب أن يكون إلى التعامل مع الواقع القائم، أي مع ما هو كائن . وهذا هو حال التجارة غالباً في ممارستها الفعلية العملية، تأخذ في اعتبارها مقتضيات السوق وأسباب الربح، ولا يهمها في سلوكها الواقعي عادة إن كانت تتعامل مثلاً بمادةٍ ملوِّثة للبيئة أو للفكر أو للنفس، ولا يهمها كذلك التأثير سلباً في سعر الصرف أو في الميزان التجاري أو ميزان المدفوعات أو سوى ذلك مما يهمّ المجتمع .
ومن المفكرين الذين أدلوا بدلوهم أو أبدوا رأيهم في الإجابة عن السؤال الذي طرحناه بداية هذا المقال، وهو : (هل ينبغي التعامل مع ما هو كائن أم مع ما يجب أن يكون؟ ) كاتب سياسي سيء السمعة ارتبط اسمه بمقولته الشهيرة (الغاية تبرر الوسيلة)، إنه الكاتب الايطالي (نيقولو ميكافيللي) المتوفي سنة 1527 صاحب كتاب (الأمير) الذائع الصيت، حيث يقول في كتابه هذا مبدياً نصيحته بشأن التعامل مع ما هو كائن، وما يجب أن يكون : (إن الطريقة التي نحيا فيها، تختلف كثيراً عن الطريقة التي يجب أن نعيش فيها، وإن الذي يتنكر لما يقع سعياً منه وراء ما يجب أن يقع، إنما يتعلّم ما يؤدي إلى دماره، بدلاً مما يؤدي إلى الحفاظ عليه)، ويقول أيضاً في موضع آخر من كتابه إياه (وإني لأعتقد بسعادة ذلك الإنسان الذي تتفق طريقة إجراءاته مع مقتضيات الزمن، وبتعاسة من يعارض بإجراءاته تلك المقتضيات) .
ويُعجبُ الكثيرون برأي ميكافيللي هذا وبآرائه الأخرى، ويؤكد بعض هؤلاء أن آراءه وإن كانت تبدو ممجوجة وغير مستساغة، بل قبيحة في نظرنا حين نحتكم إلى العاطفة، لكنها موافقة للحقيقة والواقع - حسب قولهم - كما أن تجارب الحياة تدلُّ على صدقيتها . وربما أتوك ببعض الأمثلة الواقعية التي تؤيد مقولات ميكافيللي وآراءه، بما فيها دعوته للتعامل مع ما هو كائن وليس مع ما يجب أن يكون .
ولكني أعتقد أن هذا الحكم على آراء ميكافيللي (التي توصف بالواقعية، وتدعو للتعامل مع ما هو كائن) بأنها حقيقية وصادقة وجديرة بالإتباع، حكم سطحي ولو أيّدته آلاف الأمثلة والأحداث والوقائع والتجارب، فالحقيقة أن التعامل في الحياة ينبغي أن يظل متجهاً نحو ما يجب أن يكون، وحسبُنا دليلاً واحداً على ذلك أنه لو طبّقت آراء ميكافيللي من قبل الجميع، ولو لم يكن ثمة من يتطلع إلى ما يجب أن يكون، لبقي الناس منذ عهده بداية القرن السادس عشر وحتى يومنا هذا على الحال التي كانوا عليها، ولما كانت سادت أوروبا وأمريكا الشمالية وسواها الديموقراطية والحرية والمساواة والتنمية على هذا النحو، ولما كانت الثورة الفرنسية ولا مبادئها، ولما حُرِّر العبيد، ولا أعلنت مبادئ حقوق الإنسان، ولا نشأت الأمم المتحدة، لأن الجميع كان سيتصرّف وفق دعوة ميكافيللي للتعامل مع الواقع القائم ومع ما هو كائن دون أن ينظر لما يجب أن يكون ودون أن يسعى إليه .
على المستوى الفردي، قد يكون الذين يتعاملون مع الواقع ومقتضياته دون نظر لما يجب أن يكون عليه ذلك الواقع، أكثر نجاحاً، ولكن على المستوى الاجتماعي والإنساني، لا يكون التقدم والتنمية والتطور وتحقيق الأفضل إلا على يد الذين يتطلعون إلى ما يجب أن يكون، وينظرون إلى الواقع من خلال ما ينبغي أن يصير إليه . وهؤلاء هم الأكثر فاعلية وأثراً في الحياة والتاريخ، وهم من يجب أن ينالوا التقدير والاحترام .



منقول
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
في النفس والمجتمع
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
لمسة أمل  :: المنتدايات العامة :: المنتدى العام-
انتقل الى: